حين تصير الأرض مقبرة جاهزة، والثلج لعبة من ألعاب الموت، وتهدر الجبال قرب أطفال يتجمدون، بعيون زجاجية، وأجساد ضئيلة، يموت القول. تبقى الصورة؛ جاحظة كسهمٍ ينخر قلوب المتسمّرين قرب مدافئهم. في الصورة كرة ثلج هامدة. مسيّجة بثياب الأبد. طفل الثلج النائم. لكنها صورة والطفل لم يفتح عينيه. موصدتان إلى آخرهما والخيمة قربه مشرّعة على كل احتمالات البرد. ينظر المرتابون إليها ولا يعرفون أي موقف يسجّلون. بعضهم يضغط «لايك». بعضهم يضغط «ريتويت». العاطفة الوحيدة المتاحة على الإنترنت هي العاطفة الجافة، الخالية من أي أدرينالين، أو طاقة على العبور إلى الحدث.
تنتشر صور النازحين السوريين في العالم كأنها حفرة يزداد عمقها من دون أن يؤثر ذلك على القعر. قعر القلب. تنتشر الصور ولا يفتح الطفل عينيه. لا أحد يعرف مكان هذه الصور أصلاً. في عرسال؟ الحمرا؟ البقاع؟ الرستن؟ في تركيا؟ عارٌ للعموم. ولا أحد يمكنه كبت عناد الموقع الإلكتروني، حيث تدلف الصور ويصير الموقع معرضاً لآلام الآخرين. الصورة توثيق لا يمكن إنكاره للحظة تاريخيّة، ليس بالضرورة أن تكون حاسمة. غير أن ذلك الطفل الذي تجمد في الرستن طفل حاسم يفسّر معنى العاصفة. ولا نتحدث هنا عن جسدٍ صغير انتهى قبل الربيع، بل عن شتاء طويل، وعن تعليقات المهرّجين: الأهازيج فوق الطفل النائم في ثياب الأبد. نتحدث عن تلك اللحظة الخالية من الرحمة، حيث ينقضّ الانتهازي ليطلق موقفاً ضدّ النظام، أو ضدّ الثورة، فوق الطفل المكوّر بين يدي والده.
عن تلك الصلافة التي لا تقل عن صلافة البرد التي يتسلح بها صاحب الشعار، ويقذف موقفاً يتخطى الجثة الهامدة في الصورة، أعلى تعليقه الاسمنتي مباشرةً.
ورغم كل شيء ،لا يتساوى لوم الضحية بلوم الجلاد. وعندما يكثر الضحايا، يكثر الجلادون. «ال بي سي» عرضت «اسكتش» (بس مات وطن) للمخرج «الفذ» للغاية، قبل فترة، ظهرت فيه الممثلة «الإنسانيّة» للغاية أيضاً، زينة دكاش، وهي تتعرض للسرقة من رجلين يتحدثان بلكنة سوريّة، وعدت، هي ومن وراءها، هذا المقطع التافه تحذيراً «عبقرياً» من النازحين، لا تحريضاً ضدّهم. ها هم يتجلّدون في خيمهم، وأحوالهم أسوأ من أحوال سجناء رومية (وهؤلاء يعانون من ظروف إنسانية صعبة أيضاً) الذين يفطرون قلب دكاش. أما «ام تي في»، قناة «الرايخ» اللبناني، فلم تتوان عن التعبير عن استياء «الشعب اللبناني العظيم» من نوم نازح سوري في «سيارة مواطنة لبنانية» (راجع المقال أدناه). سماجة رهيبة تكاد تتجاوز عنصرية الذين يرون صور الأطفال المتجمّدين، ويقلبون الصفحة، بلا حتى أي تعبير طفيف.

يمكنك متابعة أحمد محسن عبر تويتر | @Ahmad_Mohsen