تأتي رواية لينا هويان الحسن الجديدة «نازك خانم» («منشورات ضفاف» و«الاختلاف») بمثابة انقلاب على الخط الذي اعتاده قراؤها. بعدما أنجزت روايات عدة عن عالم الصحراء والبدو مثل «بنات نعش»، و«سلطانات الرمل»، ها هي تنتقل إلى عالم المدنية وتختار باريس مسرحاً لأحداث روائية تتكئ على شخصية حقيقية استلهمت تفاصيلها لرسم ملامح بطلة صادمة هي «نازك خانم» التي وقعتها أخيراً في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب».
تراقب الكاتبة السورية بعين معجبة بطلتها وهي تتنقّل كالطاووس، هامسةً لحبيبها الايراني الثري المقيم في باريس مجيب شان «ما أسعد الطواويس»، ليجيبها محذرّاً: «البعض يجنّ من السعادة، والبعض الآخر يجنّ من التعاسة، والبعض يجنّ من الجمال. انتبهي من جمالك يا نازيك
هانوم».
هي «نازيك خانوم» كما سماها الفرنسيون، تلك المرأة الدمشقية الأصل التي عاشت فترة شبابها في باريس، ورمت حجارة في بئر العادات والتقاليد الشامية الراكدة عندما اجتاح المدينة خبر جلوسها عارية أمام بيكاسو في مرسمه فيRue des Grands Augustins في سان جيرمان. كانت نازك خانم أيضاً ضمن العارضات العشر الأول اللواتي ألبسهن المصمم الفرنسي الشهير إيف سان لوران «السموكينغ» للمرة الأولى في التاريخ. وهي أول امرأة سوريا ارتدت «البكيني»، وقادت سيارتها بلباس لعبة التنس.
هكذا، تبدو بطلة الرواية نموذجاً صارخاً للأنوثة المتمردة أو المتحررة من كل أشكال الهيمنة الذكورية، وقد اختارت أن تعيش على هواها، هي المرأة المؤمنة بالنزوات: «لا بد من النزوات، فلنكن شياطين قليلاً» وهي التي تقول «لا يمكن للتفاح أن يزهر خفية عن الأفاعي». امرأة لا تموّه ماضيها لخاطر أي رجل، تعترف بكل ما عاشته من قصص حب خلال حياتها ولا تعتنق منطق «الاخلاص أو الوفاء في الحب». امرأة «بعقل رجل وقلب طفل وجسد أنثى». يقول لها مجيب شان: «لا تظني الحب فوضوياً، إنه دقيق في مواعيده إذا لم ندرك هذا، فسنقع في أخطاء لا تغتفر». مع ذلك، وقعت ناز خانم في خطأ قاتل عندما عادت إلى دمشق ووقعت في غرام كمال المتدين والمتشدد الذي طالبها بالصلاة، فردت عليه: «لم أعاهد نفسي على أن أكون ملاكاً طاهراً، لذا، لا مبرر لدي للاستغفار».
لا يخفى على القارئ رمزية الرواية ومحاولة الاسقاط الموفقة من خلال بطلة مثقفة تنتهي مقتولة برصاصة زوج غيور متشدد دينياً يغادر البلاد بعد جريمته ليقود جماعة دينية متطرفة. هنا تتماهى الرواية بشكل واضح مع موجة التشدد والتكفير التي تجتاح البلاد. في «نازك خانم»، نحن أمام رواية تستحضر الزمن الجميل في الستينيات والسبعينيات قبل أن تتركنا بمرارة العلقم أمام الحال الذي وصلناه اليوم.