كالعادة، يأبى الشهر الأخير من كل عام أن يمر من دون حصد أكبر عدد من أشخاص لن يغيب أثرهم حتى بعد رحيلهم. بعد اليوم، لن تفتح أبواب سمسم ولن نتابع مغامرات نعمان وأنيس وبدر وميسون وكعكي وغيرها من الشخصيات الكرتونية التي تعلّق بها أطفال الوطن العربي. لقد غيب الموت أخيراً كبير كتّاب الرسوم المتحركة الإعلامي والكاتب السوري المخضرم ياسر المالح (1933ـــ 2013) تاركاً لنا مسلسل «افتح يا سمسم» الذي أسهم في تشكيل ثقافة ووعي الطفل العربي من خلال 309 حلقات واظبت المحطات على عرضها.
بعد الصلاة عليه في منزله في «مشروع دمر»، سيشيع المالح اليوم بعد صلاة الظهر إلى مثواه الأخير في «مقبرة المهاجرين» في دمشق. وقد نعته وزارتا الثقافة والإعلام ونقابة الفنانين، وسيقام عزاء له لثلاثة أيام اعتباراً من غد الخميس في «المركز الثقافي العربي» في أبو رمانة. لم يكن «افتح يا سمسم» المنجز الوحيد للمالح، بل كانت رحلته طويلة وغنية بالعطاء. بدأها مدرساً للغة العربية ثم مشرفاً على المسرح المدرسي. أسهم في تأليف المناهج المدرسية لمادة اللغة العربية بينما رافق انطلاقة الإذاعة السورية عام 1950 من خلال برنامج «صوت الطلبة» (تقديمه وإعداده)، ليقدم بعد ذلك برنامجي «حديث الصباح» و«طرائف المساء». وأتبعهما بإعداد تمثيليات قصيرة. أما على صعيد التلفزيون، فقد أعد عشرات البرامج الترفيهية والتعليمية كان أشهرها «افتح يا سمسم» و«افتح يا وطني أبوابك» و«البخلاء» المأخوذة عن رائعة الجاحظ، وسهرات تلفزيونية منها «شموع الأمل» و«درب السعادة» إلى جانب مشاركته في مشاريع تعليمية عديدة تخص الأطفال. كما نشر مئات المقالات في جريدة «الأنباء» الكويتية. وأصدر ديواناً شعرياً بعنوان «عودة إلى الحب» عام 1983، وآخر بعنوان «عرس الكلمات». كذلك، عمل على تأليف أغنيات خاصة بالأطفال وشغل منصب خبيرٍٍ في الإعلام التربوي والإعلام البرامجي لدى مراكز وهيئات إعلامية، ومنظمات تربوية، إضافة إلى منظمات عالمية مثل «اليونسكو»، و«اليونيسيف». وكان منجزه الذي سلى به سنواته الأخيرة إنشاء «نادي الاستماع الموسيقي» في «المركز الثقافي» في أبو رمانة حيث قدم موسيقى من مختلف البلدان وعرف الجمهور على طقوس الشعوب الموسيقية. في اتصال مع «الأخبار»، قالت ابنة الإعلامي الراحل رشا المالح: «لا شك في أنّ سوريا فقدت رجلاً مهماً نذر سنوات عمره للعمل في الإعلام التربوي الهادف وعمل على إعطاء هوية خاصة للبرامج التعليمية تتميز بطابع مشوق وتعتمد على الدراما لإيصال المعلومة». وتضيف: «خسارتنا تبقى هي الأكبر، فنحن من فقدنا الأب، ولا يمكن أن يملأ أحد فراغه ولا أن يعوّض غيابه». ما زال في دمشق من يؤمن بأنّ الكبار والروّاد الذين وقعت على عاتقهم مهمة شقّ الدرب الذي اختاروه، هم البركة الحقيقية، فما إن بدأوا بالرحيل حتى تفقد البلاد بركتها، وهو ما يحدث اليوم في الشام.