رحل عبد الحميد بعلبكي (1940 – 2013) أول من أمس. رحيلٌ بدا كأنه استكمال لرحيل بدأ قبل ذلك بسنوات. الرسام والنحات اللبناني الذي تخرّج في معهد الفنون الجميلة عام 1971، وأكمل دراسته العليا في فن الجداريات في باريس عام 1974، عاش على هامش المحترف اللبناني وفي قلبه في آن واحد. مزاجه المقلّ كان دلالة على قسوته مع فنه ولوحته، وهو ما يفسِّر قلة معارضه الفردية. لعل ممارساته الأخرى في الكتابة والشعر والتصوير ساهمت في تشتيت تجربته وتنويعها، لكنه حضر بالمزاج المقلّ والخاص في تلك الممارسات أيضاً. كتب بعلبكي الشعر وأصدر ثلاثة دواوين، إضافة إلى عدد من المؤلفات السردية. كانت الكتابة ترجمة أخرى لحضوره الذي ظل يحظى بتقدير ثمينٍ من قبل النقاد والفنانين معاً. نشر الراحل نصوصاً مبكرة في مجلة «الآداب» نهاية الخمسينيات، وقادته موهبته المبكرة في الرسم أيضاً إلى معهد الفنون. الرسم تجاور لاحقاً مع النحت والتصوير، بينما ظلت الكتابة هاجساً مستمراً، وتأويلاً مختلفاً عن تلك التعبيريات الواقعية التي رأيناها في لوحاته ومنحوتاته. واقعية استُثمرت الذاكرة والحرب والطبيعة وحركة الناس، وامتزجت بميل إلى المنمنات الشرقية. كانت هناك بلاغة ومجازات تتسرب من شغف الفنان بالتراث العربي واللغة العربية، وتظهر على شكل جماليات تنبعث من الأصول الواقعية لعناوين أعماله. كنا نعرف أن صاحب جداريتي «عاشوراء» (مشروع تخرجه)، و«الحرب الأهلية»، يعيش منذ زمن في قريته الجنوبية العديسة، مفضلاً عزلته الذاتية وزهده الشخصي في الطبيعة وأماكن الطفولة على صخب العاصمة التي أمضى فيها ثلاثة عقود أستاذاً في معهد الفنون، ورئيساً لـ«جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت». عزلةٌ تضاعفت مع رحيل زوجته قبل سنوات في حادث سير، وجعلت انقطاعه عن المدينة ومواعيدها الفنية والثقافية كاملاً تقريباً.
تكريمه قبل ثلاث سنوات بدعوة من «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي»، كان تذكيراً بتجربته الثرية والمبتورة وغير المكتملة. الصفة الأخيرة لائقة أكثر بعبد الحميد بعلبكي الذي انشغل بتعبيرات عديدة بدا أنه غير مكترث بالوصول فيها إلى لحظة الاكتمال والوصول. ولعل رحيله هو تلك الخاتمة التي ستذكّرنا بفنه، وتعيد هذا الفن إلى الأضواء التي زهد بها الفنان في حياته.

يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | @hbinhamza