اشتهر الكاتب والصحافي عبد الباري عطوان بكونه الصحافي العربي الوحيد الذي زار قائد منظمة «القاعدة» أسامة بن لادن في مقره في جبال شرق أفغانستان في أواخر التسعينيات. كتابه الثاني عن «القاعدة» بعنوان «ما بعد بن لادن ـــ القاعدة، الجيل التالي» (دار الساقي) صدر بالانكليزية أولاً، ثم أخيراً بالعربية (ترجمة سعيد العظم). يتضمن العمل فصولاً عن الربيع العربي و«القاعدة»، والتحالفات الجديدة لهذا التنظيم الذي أصبح الآن تحت قيادة أيمن الظواهري، وبرزت له فروع جديدة وقيادات شابة في العالم العربي والاسلامي والعالم. أهمّ ما يورده عطوان في المقدمة إشارته الى أنّ أمنية أسامة بن لادن تحقّقت، بحيث تحولت منظمة «القاعدة» الى رمز لشبكة واسعة من الفروع تمتد على طول العالم الاسلامي. وبالتالي، يرى عطوان أنّ اغتيال الجيش الاميركي لبن لادن، ربما قطع رأس المنظمة، ولكنه حتماً أدّى الى زيادة قوة التنظيم وتوسيع دوائر أنشطته حتى وصلت الى أميركا وأوروبا. وفي خاتمة الكتاب، يطرح خمسة سيناريوات قد تؤدي الى خاتمة لنشاطات «القاعدة» الميدانية التي أزهقت العدد الكبير من الأرواح وأوقعت الضحايا في سائر أنحاء العالم.

اللافت في طروحات عطوان أنّه يختار الحل السياسي مع هذه المنظمة على شاكلة ما تمّ في إيرلندا الشمالية مع منظمة «الجيش الجمهوري الايرلندي» (IRA) الذي أصبح حالياً جزءاً من العملية السياسية في هذه المقاطعة، وتحول قادته الى وزراء في الحكومة. ومن الطروحات الأخرى التي نجدها في كتاب عطوان أنّ تنظيم «القاعدة» كان المستفيد الرئيس مما يسمى «الربيع العربي» الذي أسهم في جعل التنظيم أكثر قوة وخطراً في السنوات الاخيرة، وخصوصاً في سوريا وليبيا واليمن والعراق والصومال.
ويؤكد عطوان أنّ أيمن الظواهري بذل جهوداً حثيثة لرعاية شبكة معقدة من فروع المنظمة (كتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والمغرب الاسلامي، والمجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» التي استغلت ما يسميه «البلبلة الاقليمية الناجمة عن الربيع العربي لتوسيع مجال عملها في ليبيا وسوريا). يرى عطوان أنّ «القاعدة» لا تستطيع الادّعاء أنّها أطلقت انتفاضات الربيع العربي، لكنّها ارتاحت إلى هذه الانتفاضات لكونها واجهت العدوين الرئيسين لـ«القاعدة» وهما الأعداء البعيدون (أميركا وحلفاؤها) والأعداء القريبون الذين تسميهم «القاعدة» الحكام الديكتاتوريين الكفّار وقادة الانظمة الاستبدادية في المنطقة.
ويرى عطوان أنّ الانتفاضات العربية فتحت فرصاً جديدة لـ«القاعدة» وحليفاتها في سوريا وليبيا ومصر على حساب الاسلام المحافظ الذي ما زال الخيار المفضّل لأغلبية الشعوب العربية المسلمة. وأحبطت نتيجة هذه الانتفاضات تطلعات الشباب العرب العلماني الذي ناضل بشجاعة في سبيل حريته في هذه الانتفاضات.
ويقول عطوان إنّ «القاعدة» شاركت في الاحداث الامنية السورية منذ أواخر 2011، وجاء تأكيد هذه المشاركة في شريط فيديو لأيمن الظواهري في شباط (فبراير) 2012 حمل عنوان «الى الأمام يا أسود سوريا»، حثّ فيه الظواهري الجهاديين في البلدان المجاورة مثل العراق وتركيا والاردن ولبنان وغيرها للانتقال الى سوريا للمشاركة في القتال والجهاد ضد النظام السوري. وبدأت فضائيات مموّلة خليجياً بتحريض السوريين والمسلمين السنّة في المنطقة والعالم على «الجهاد» ضد النظام السوري. أما بالنسبة إلى الحكومات الغربية، فقد ظنّت ــ بحسب عطوان ــ أنّ الربيع العربي سيضرّ تنظيم «القاعدة»، وافترضت أنّ ديمقراطيات ليبرالية ستحلّ محل الديكتاتوريات المنتشرة. لكن انتصار الاحزاب الإسلامية في تونس ومصر أقلقها، لأن هذه الأحزاب قد تتبنى في فترة لاحقة أجندة مناوئة للغرب وتتغاضى عن وجود مقاتلين جهاديين ومعسكرات تدريب لهم على أرضها تكراراً لما حدث في أفغانستان والسودان في تسعينيات القرن الماضي. ويرى عطوان أنّ شبح النزاع المذهبي يتربص ساحة ما بعد الثورة، وقد يشعل حرباً إقليمية تصطف فيها الدول ذات الأكثرية السنيّة ضد الدول ذات الكتل الشيعية الكبيرة التي تتزعمها إيران. وهذا ما تفضّله إسرائيل. غير أنّ الانفتاحات الاخيرة في المنطقة بين إيران وبعض جيرانها العرب (وبين إيران وأميركا والغرب) حدثت بعد صدور كتاب عطوان، ما يشكل بداية لانفراجات ميدانية عسكرية.