غالباً ما تكون للفن السابع حصة كبيرة في الميلاد. هذا العيد وما يرافقه من أجواء فرح ومحبة وأساطير تتمحور حول «سانتا كلوز» وأقزامه وألعابه، شكّل لعقود مادة دسمة لمختلف المنتجين السينمائيين. لكن هذا العام، بدأ الأمر يتغير. على عكس السنوات الأخيرة، لم تستقبل الصالات اللبنانية سوى ثلاثة أفلام عن الميلاد. أفلام لا يعد أي منها عملاً استثنائياً أو مميزاً، بل إنّ أحدها لم يستطع الصمود فانسسحب قبل حلول العيد بأسبوع كامل!
كثيرة هي الأعمال التي علقت في الذاكرة السينمائية وارتبطت بالميلاد، فكرّست النمط الغربي الاحتفالي بالمناسبة الدينية من جهة، وحوّلتها إلى مناسبة سينمائية قائمة بذاتها من جهة أخرى. منذ بدايات السينما، يستثمر المنتجون والمخرجون في أفلام الميلاد التي غدت هوية لأعمالهم. منذ الشريط الشهير «إنّها حياة رائعة» (عام 1947) للمخرج الأميركي فرانك كابرا (1897 ــ 1991)، والمنافسة السينمائية مستمرة. فلكل حقبة زمنية أفلامها، من «الميلاد الأبيض» (1954) للمجري ــ الأميركي مايكل كورتيز إلى خماسية «وحيد في المنزل» (Home Alone) التي بدأها الأميركي كريستوفر كولومبوس في1990، وصولاً إلى «سانتا الشرير» (2003) للأميركي تيري زويغوف وغيرها. جذبت سينما الميلاد ملايين المشاهدين، والملايين من الدولارات أيضاً، خصوصاً أنّ معظمها ينجز بتكلفة بسيطة ويدرّ أرباحاً هائلة.
لكن هذا العام لم تجر الأمور على هذا النحو، ولم تعرض الصالات اللبنانية سوى ثلاثة أفلام. أوّلها كان Niko 2 (أخ صغير مشكلة كبيرة) وهو فيلم تحريك لم يصمد سوى لأسابيع قليلة في الصالات ليخرج قبل الميلاد بعدما عجز عن منافسة أعمال كبيرة صدرت في الفترة نفسها. أبرز تلك الأعمال هو «متجمّد» (Frozen) الذي أنتجته شركة «ديزني» وأخرجه كريس باك وجنيفر لي، إضافة إلى الجزء الثاني من فيلم «الهوبيت» الذي حمل عنوانThe Hobbit: The Desolation of Smaug (إخراج بيتر جاكسون) و«بابا نويل المبتدئ والنفناف السحري» (L›Apprenti Père-Noël et le Flocon Magique).
الفيلم الأخير نجح حيث فشل «نيكو 2»، وهو من إخراج الفرنسي لوك فينسيغيرا الذي صنع النسخة الأولى من العمل قبل ثلاث سنوات.
قوة العمل تكمن في أنّه من أفلام التحريك التي تنتمي إلى المدرسة القديمة، إذ نُفّذ ليظهر بتقنيات الرسوم المتحركة لا التحريك الحديث، وهذا ما جعله كلاسيكياً بامتياز، ومنحه تلك اللمسة التي ندر وجودها في الأعمال الجديدة. تكفي مراقبة الخلفيات والأشكال الهندسية والجدران والثلوج وكل الرسوم حتى نعتقد للحظة أنّنا نشاهد عملاً يعود إلى عشرين عاماً مضى على الأقل، وهو ما كان المخرج مجبراً على القيام به لمحاكاة النسخة التلفزيونية التي صدرت في فرنسا وألمانيا، وليهرب من التكلفة المرتفعة التي تفرضها صناعة أفلام التحريك الحديثة.
وإن كانت تلك النوستالجيا تعجب الكبار أكثر من الصغار، فإنّ لقصة العمل ما يمكن أن يفوز بقلوب الأطفال. فهو يتحدث عن «سانتا كلوز» الذي يريد التقاعد في أوستراليا، فيسلّم مهامه للطفل الذي يتوفر فيه الشرطان اللذان يؤهلانه لتولي زمام الأمور بدلاً منه: أن يكون اسمه نيكولاس وأن يكون يتيماً. لكن ما إن يبدأ سانتا الجديد بمهامه قبيل ليلة الميلاد حتى تبدأ المشاكل، فيصاب بمرض غريب يجعله يكبر بسرعة ويتصرف بأسلوب فظ، ما يشكل تهديداً لأمسية الميلاد وآلية توزيع الهدايا. على الأثر، تستنجد صديقة «بابا نويل» الجديد بكل أسلافه لحل المشكلة، قبل أن تبدأ سلسلة من المغامرات غير المتوقعة.
الجميل في العمل أنّه يرسم عالماً متكاملاً لـ «سانتا كلوز» وورشته وقصره، ويروي قصة جميلة عن الطفولة التي تسكن قلب الرجل المفضل عند الأطفال. لكنه من ناحية أخرى يحوي الكثير من المواقف المركبة التي يشوبها التكلف، فتتسارع الأحداث بأسلوب يفتقد السلاسة أحياناً، لكن من دون أن تحيد كثيراً عن الجو العام للعمل.
الشريط الذي يقوم بدور البطولة فيه كل من ناثان سيموني وبينوا ألومان وفنسان غراس، يعرض في الصالات اللبنانية باللغتين الفرنسية والإنكليزية.
أما الشريط الثاني الذي يتخذ من الميلاد موضوعاً له فهو «ماديا كريسماس» للظاهرة الأميركية تايلر بيري.
على عادته في سلسلة العمة «ماديا»، يحتكر تايلر بيري العمل بكامله، فهو المخرج والمنتج وكاتب السيناريو، فضلاً عن كونه يلعب الدور الرئيسي المتمثل بالعمة «ماديا».
هذه المرة، يقودنا بيري إلى رحلة تقوم بها «ماديا» برفقة شقيقتها إيلين (أنّا ماريا هورسفورد) أنا ماريا هورسفورد) التي تود زيارة ابنتها لايسي (تيكا سامتر) للاحتفال بالميلاد، لكن الابنة تكون متزوجة سراً من كونر(إيريك ليفلي)، وهو لـ«سوء حظ» لايسي رجل أبيض! الفيلم مليء بالمواقف الطريفة والعنصرية، لكنها هنا العنصرية المذمومة التي يبدو واضحاً أنّ بيري يظهرها ويضخمها لينتقدها. وكالعادة، تأتي «ماديا» بأسلوبها الفريد، معتمدة الصراحة الجارحة في التعامل مع الآخرين. وهي شخصية استطاع بيري اختراعها وصقل معالمها حتى أصبحت أكثر شهرة منه شخصياً، الأمر الذي دفعه إلى إدخال اسمه إلى عناوين الأفلام التي يصنعها. علماً أنّ الاسم الرسمي للشريط الجديد هو Tyler Perry›s A Madea Christmas!
تكمن مشكلة العمل في كثرة اعتماده على النكات والإيحاءات الجنسية التي تتناقض مع أجواء الميلاد التي تدور حولها أحداث الشريط، فضلاً عن جنوح الحوار نحو الوعظ فيشعر بأن العمل صنع لينشر المحبة والأخلاق بين الناس بأسخف طريقة ممكنة.
ومن اللافت أن الشريط أُنجز بتكلفة متدنية، إذ يبدو أنّ بيري قرر الاستثمار في القصة أكثر من استثماره في التقنيات الفنية. تصوير معظم المشاهد في غرف مغلقة لا يبرر أن تكون تكلفة العمل 25 مليون دولار أميركي، خصوصاً أنّه لا يضم نجوم صف أوّل.
لذلك، لا يبدو مفاجئاً عجز إيرادته عن تخطي عتبة الـ16 مليون دولار في الأسبوع الأول، والـ19 مليون دولار في الأسبوع الثاني. علماً أنّ جميع أعمال «ماديا» السابقة حصدت أكثر من 25 مليون دولار في الأسبوع الأول كحد أدنى. لكن من المرجّح أن تتحسن أرقام Tyler Perry›s A Madea Christmas في الأشهر المقبلة بعد أن يخف الضغط على الجزء الثاني من «الهوبيت» الذي لا يزال يخطف الأضواء في لبنان من دون منازع، ويتصدر قائمة الإيرادات عالمياً. لكن رغم ذلك، يبقى العمل مسلياً ولو لم يكن مبهراً.
هكذا، يكون الميلاد قد ذهب ضحية المنتجين الذين لم يجدوا إغراءً في إنتاج أفلام جدية للمناسبة، والمخرجين الكبار الذين انشغلوا بصناعة أعمال قد تؤهلهم للفوز بجوائز قلما تنال أفلام الميلاد نصيباً منها. أمام هذا الواقع، يمكن للأهل أن يصطحبوا أولادهم لمشاهدة قصة عن «سانتا كلوز» من خلال فيلم التحريكFrozen.



L›Apprenti Père-Noël et le Flocon Magique: «أمبير» (1269)
Tyler Perry›s A Madea Christmas: «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)
Frozen: «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)