لا شيء تغير في سوريا عن السنة الماضية سوى فارق صغير في الرقم وإعلان صارخ بأنّ الصراع بات من أجل الدين لا الديموقراطية. حتى الإعلام لم يسلم من ظلامية الجماعات التكفيرية. استهلت جبهة «النصرة» عام 2013 بفرض الحجاب على الصحافة بعد اقتحام «المنتدى الثقافي الاجتماعي» في إدلب وطرد الصحافيين الأجانب الذين اتخذوه مقر إقامة. واشترطت «النصرة» على الصحافيات السوريات ارتداء الحجاب أو عدم الدخول إلى مناطق سيطرة الجبهة.
ولم تمر الأشهر الأولى إلا بحضور إسرائيلي قوي إثر العدوان على منطقة «جمرايا» في ريف دمشق. يومها، اكتشف المواطن السوري بدائية إعلامه وتأخره الفاضح في مواكبة الخبر! ولن تغيب إسرائيل طويلاً لتعود كـ«ضيفة» على المعارضة المسلحة في إدلب يوم غامر الصحافي الصهيوني إيتاي إنغل وزميله أمير تيبون ليفاجئا الجمهور الإسرائيلي المتابع للقناة الثانية بريبورتاج صوِّر في سوريا ووثق شهادات حية بعدستيهما. دخل الصحافيان الأراضي السورية عبر التهريب من الحدود التركية، ثم وصلا إلى إدلب وجالا فيها وفي ريفها ليحاولا التعرف إلى «وريث الحكم» بعد إنهاء النظام السوري. وعادت الغارات والتخبط الإعلامي السوري حين حوّلت طائرات العدو جبل قاسيون إلى كتلة لهب. وهنا اغتنمت المحطات الخصمة للنظام الفرصة وراحت تروج للعدوان الإسرائيلي على رأسها «العربية» و«المستقبل». وحدها «الميادين» عدّت الأمر عدواناً على عاصمة عربية، ففتحت استوديو البث المباشر لتغطيات ولقاءات خاصة. على ضفة مقابلة، توشحت المباني الإعلامية في الشام بلون الدم بعدما طاولتها قذائف «الثورة»، بدءاً من منطقة البرامكة حيث يقع مبنى وكالة «سانا» الذي طاولته النيران وقتل عدد من موظفيه. كل تلك الظروف العصيبة لم تمنع «المجلس الوطني للإعلام» من إصدار قرارات جائرة بحق بعض الإعلاميين السوريين أبرزهم مراسلة «الميادين» في دمشق ديما ناصيف التي أوقفت عن العمل لمدة شهرين على خلفية التغطية المباشرة لمراسم تنصيب يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في باب توما. ولم يمنع سيل الدماء قافلة الإعلام السوري من المضي قدماً. انطلقت قناة «تلاقي»، لكن سرعان ما أثبتت فشلها حين عجزت عن دفع مستحقات العاملين فيها، وحذفت صوت أصالة نصري عن تتر المسلسلات التي عرضتها، فيما تستعد قناة «عروبة» للانطلاق تحت شعار الفكر القومي والعروبي. المحطات المعارضة توسعت أيضاً وشهدت سنة 2013 ولادة قناة «سوريا 18 آذار» التي تديرها رئيسة تحرير جريدة «تشرين» سابقاً سميرة المسالمة. لكن المحطة لم تتجاوز كليشيهات التحريض الطائفي والعنصري. من جهة أخرى، حقق التلفزيون السوري ضربة صائبة حين عرض فيلم «الحريق ــ ثنائية الوقود والحصاد» الذي بث اعترافات لقتلة الفنان السوري محمد رافع. ولن يمر العام من دون أن يكون لأهل الإعلام حصة في الموت. هكذا، سقطت المراسلة الميدانية لقناة الإخبارية السورية يارا عباس في القصير. وفيما تمكنت الصحافية الأوكرانية أنهار كوتشنيفا من الهرب من «الجيش الحرّ»، ما زال صحافيون إسبان وأجانب في عهدة «داعش»، واختطف مسلحون تكفيريون الناشطة رزان زيتونة ورفاقها من دوما، بينما أفرج النظام عن ناشطين وإعلاميين كشذا المداد، وعبد الرحمن حمادة، ومنصور العمري ليستمر توقيف آخرين أبرزهم مازن درويش ورفيقاه هاني زيتاني وحسين غرير. كل هذه المآسي دفعت «مراسلون بلا حدود» إلى وصف سوريا بجحيم المراسلين الصحافيين في تقريرها الأخير الذي احتلت فيه سوريا المرتبة الأخيرة (176) قبل المثلث الجهمني: تركمانستان، وكوريا الشمالية، وأريتريا.