يودّع الشارع الثقافي التونسي عام ٢٠١٣ محتفظاً في ذاكرته بعدد من المحطات التي تؤكّد إصرار المبدعين على الحرية رغم الفاشية الدينية التي تطلّ برأسها الأسود منذ أن انتهت انتخابات ٢٠١١ بتولّي حركة «النهضة» الاسلامية الحكم. ما زال السينمائي عبد الله يحيى، والفوتوغرافي شفيق قياس، والمسرحيان الصحبي الرحالي ورجب المقري يقبعون في السجن على خلفية اتهامهم باستهلاك المخدرات. تهمة لجأ إليها النظام السابق أحياناً للتخلص من بعض «المشاغبين».
في الحقيقة، كان عنوان هذه السنة المحاكمات والاعتقالات. أمضى السينمائي نصر الدين السهيلي أكثر من شهر في السجن بعدما ألقى بيضة على وزير الثقافة مهدي مبروك. كما تم إيقاف المصور مراد المحرزي بسبب تصويره المشهد. وقد تجنّد المثقفون للدفاع عن السهيلي الذي اضطرت السلطة لإطلاق سراحه تحت ضغط الشارع. وفي مدينة الكاف، اعتدى متشددون دينياً على فنانين شباب قدموا عملاً فنياً في الشارع في ذكرى اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد، بعدما اعتبروه إساءة للإسلام. ووصلت المضايقات التي يعانيها المبدعون الى حد تهديد الكاتبة ألفة يوسف بالقتل، مما اجبرها على ملازمة بيتها الذي يخضع لحراسة من وزارة الداخلية. أما الشاعر محمد الصغير اولاد احمد، فقد تعرض لتهديدات بالقتل بسبب مقطع في قصيدة قارن فيه بين التقويم الهجري والتاريخ الميلادي.
هذا المناخ المتوتر لم يمنع المبدعين من القيام ببعض المبادرات بهدف توحيد صفوفهم ضد الدكتاتورية الجديدة. وفي هذا السياق، تأسّس «الاتحاد العام للكتاب التونسيين» الذي يرأسه الشاعر منصف الوهايبي والشاعر آدم فتحي، كما أسس مبدعون شباب «الحركة الثقافية الثورية».

على المستوى الإبداعي، تألقت السينما التونسية بتقديم ثلاثة أفلام جديدة هي «هز يا وز» لإبراهيم لطيف، و«خميس عشية» لمحمد دمق، و«باستاردو» لنجيب بلقاضي. وعلى غرار السينما، شهد المسرح زخماً وتنوعاً في الانتاج وبروز جيل جديد من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية. ومن أبرز الأعمال «تسونامي» للفاضل الجعايبي، و«صفر فاصل» لتوفيق الجبالي، و«سكاكين في الدجاج» لرجاء بن عمار ومنصف الصايم، و«الرهيب» لمنير العرقي، و«علي بن غذاهم باي الشعب» لصابر الحامي. وتميّز هذا العام بالاهتمام بالرقص المسرحي كتحدٍ للسلفيين الذين يحاولون السيطرة على الفضاء العام. في هذا السياق، شهدت بعض الأحياء الشعبية الفقيرة تنظيم عرض «في حومتي» (الحومة تعني الحي)، وقدم عماد جمعة أيضاً عملين في الرقص المسرحي هما «حالة» و«صالة». وفي التشكيل، تأسس في ضاحية قرطاج ملتقى دولي للنحت، كما يتواصل «بينالي الفن المعاصر» في دورته الاولى حتى نهاية السنة.
هذا المخاض الذي تعيشه تونس تيمته الأساسي التحديات التي يواجهها التونسيون في بناء الديمقراطية تحت حكم الإسلاميين الذين يعملون على اعادة انتاج النظام السابق مع تغيير نمط العيش. وهذا هو الخط العام لمعظم الأعمال الفنية مسرحاً وسينما وفناً تشكيلياً ورقصاً مسرحياً. ولم يرحل العام قبل خطف المفكر الألمعي العفيف الأخضر الذي يعد كتابه «من محمد الانسان الى محمد التاريخ» أبرز العناوين التي صدرت هذا العام. كما شكل تضمين اسم العفيف في «الكتاب الأسود» لرئاسة الجمهورية صدمة للوسط الثقافي الذي استاء للتشويه الذي لحق بالعفيف بعد موته. في عالم الكتاب، تواصلت الشهادات حول حكم الزعيم الحبيب بورقيبة، لكن أبرز هذه العناوين كانت كتاب نجله الصادر بالفرنسية بعنوان «تاريخنا». العمل محاورة يكشف فيه بورقيبة الابن لعالم الاجتماع محمد كرو جوانب مجهولة من حياة الزعيم الذي غيّر وجه تونس.