«حضرتك تكلمت، كأننا حققنا إنجازاً اقتصادياً وهذا غير صحيح في المطلق. نحن من أقل دول العالم في الأداء الاقتصادي، والمصري في بلده مهان. ومنذ شهرين، ألقي القبض على أعداد تراوح من 2000 إلى 5000 مصري من أبناء العريش بعد تفجيرات طابا. هؤلاء تعرضوا للصعق بالكهرباء، وأطفئت السجائر في أجسادهم. هذا يجعل المصري مقهوراً في بلاده وليس فخوراً بها. وحضرتك شخصياً مسؤول عن كرامة المصريين وفقاً للدستور. المسؤولية الأولى لرئيس الدولة هي كرامة المصري». العبارة السابقة قالها مثقف في لقاء الرئيس، لكن ليس الرئيس الحالي، ولا المثقف هو ممن حضروا لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في «قصر الاتحادية» في القاهرة أمس. ما سبق جزء مقتبس من شهادة الكاتب والمحلل السياسي الراحل محمد السيد سعيد (1950-2009) التي قالها للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في لقاء جمع المثقفين في بداية عام 2005. يومها، وضع السعيد، مبارك في موقف حرج. تلعثم، وتلجلج، وقال متوتراً: «أنت متطرف، وعلى فكرة بقى أنا بافهم أحسن منك». تلك الحكاية القديمة تجيب على الأسئلة الكثيرة التي ظلت تتردد منذ الإعلان عن اجتماع السيسي بالمثقفين أمس.
قائمة من الودعاء اللطفاء، بين يسار مستأنس ويمين مدجن
منذ الإعلان عن الوجوه صاحبة الحظ في لقاء الرئيس، وهناك حالة من الجدل، وأسئلة عن معايير الاختيار وجدوى اللقاء وسط مناخ عام شهد حبس روائي مثل أحمد ناجي، وباحث مثل إسلام البحيري، وهناك كثيرون مهددون بالحبس، بسبب أفكار كتبوها أو تحدثوا عنها.
«نظرة واحدة على قائمة المدعوين إلى اللقاء، تجعلك تفهم الرسالة جيداً» يقول الشاعر والروائي ياسر ثابت، مضيفاً أن هؤلاء مختارون بعناية بحيث لا تسمع لهم أو منهم صوتاً معارضاً أو رأياً رافضاً. قائمة من الودعاء اللطفاء، بين يسار مستأنس ويمين مدجن، يشترط في أغلبهم أن يكونوا في فلك الستين إن لم يكونوا في السبعين من العمر. لا تسل عن الشباب ولا تستفسر عن الأصوات الناقدة من قاعدة وطنية صلبة، «فالمشهد لا يسمح والظروف لا تحتمل». تقريباً هذا أيضاً رأي الكاتب والأديب حمدي عبد الرحيم الذي يقول بأنّ هذه الوجوه هي المضمونة، فهي تعرف ماذا تقول ومتى تقوله. ويتابع: «طبعاً لن يقولوا شيئاً لكنهم في الوقت نفسه لن يقولوا ما لا يجب قوله». يقول ثابت إن «المعضلة الحقيقية هي أن لقاء الرئيس بالمثقفين مبني على الحركة في اتجاه واحد، فالرئيس يتحدث والضيوف يستمعون، فكيف يكون هذا حواراً؟!».
وكان السيسي قد التقى المثقفين مرتين قبلاً. اللقاء الأول عندما كان ما زال مرشحاً للرئاسة، وكان لقاءً احتفالياً لا أكثر، جمعه بالفنانين. واللقاء الثاني كان بعدد من المثقفين الشباب، والعنوان كان أنّ الرئيس يريد التعرف إلى المشاكل التي تواجه الثقافة، وطلب من المثقفين وضع خطة لتطوير الثقافة والنهوض بها. وهذا كل ما حدث، لا شيء على أرض الواقع سوى التضييق على المثقفين والباحثين، بل حبسهم أيضاً.
الحساب الرسمي لرئيس الجمهورية على الفايسبوك، أورد أمس أنّ الرئيس أكد للمثقفين أنّ «في رقبتي 90 مليوناً، وأنا حريص على التوازن بين أمنهم واستقرار الدولة وبين تأمين الحقوق والحريات». حجة تُنتهك بها الحريات دائماً مهما اختلف الشخص الجالس على كرسي الرئاسة.