للسنة الثالثة، يفسح «مركز بيروت للفن» مساحةً لتقديم فنانين ناشئين من لبنان ضمن معرض «عتبات». مجموعة «عتبات 2011» ضمت هذا العام ثمانية: ناديا العيسى، وعلي شري، ولور دو سليس، وباسم منصور ودانه الجودر، وفرانسيسكا بيرفوس، وستيفاني سعادة، وستاره شهبازي. فنانون لبنانيون أو مقيمون في لبنان، قدموا أعمالاً في الفن المعاصر ترتكز إلى وسائط مختلفة، كالتجهيز، والفيديو، والتصوير، لكنّ نتيجة المعرض أتت ضعيفة تحتاج إلى بلورة أعمق مع بعض الاستثناءات. قد يكون عمل علي شري (1976) الأكثر نضجاً. علماً أنّ شرّي لم يعد فعلاً فناناً ناشئاً، وخصوصاً أنّ أعماله تجول في صالات عالمية عدة. أما اليوم، فيقدّم «ألمي حقيقي» عبر تجهيز مؤلّف من ثلاث شاشات فيديو. في الصدارة، يعرض فيديو يضم لقطة ثابتة لوجهه، ويداً إلكترونيّة تلامسه، محوّلة معالمه تدريجاً إلى وجه يحمل آثار ضرب وحرق. يدعونا شري إلى التوقف عند العنف المشهدي الذي أصبح يسيطر على الشاشات العامة.
أما على شاشتين صغيرتين مثبتتين على الحائط الأيمن، فيعرض فيديو للقطات تظهر البحر، ونفقاً، وطاولة تقابل الشرفة في أحد البيوت... يرافقه تسجيل بصوت شري يخبرنا عن المشاهد والصور التي تعلق في ذاكرته من دون وجود ربط بأي حدث تاريخيّ وصولاً إلى مشهد دخول الضوء إلى بيته يوم 11 أيلول. عمل يعود بنا إلى الفرديّة في النظر إلى الأحداث التاريخيّة الكبرى، مما يسلبنا الحق في قراءة مختلفة وشخصيّة لتاريخ ما، ويلغي فرديتنا.
كذلك، يأتي عمل ستاره شهبازي (1978)، تكملةً لخطها في معالجة الصورة، لكن هذه المرة تحت اسم «بوتيك ضوء القمر». تستند ستاره في عملها إلى صور تلتقطها وأخرى من الأرشيف تتضمن الكثير من علامات «الكيتش» في لبنان. تعيد تركيب صورها، وتعالجها رقمياً، معيدة تلوين أجزاء منها، ومستعينة بتقنية الكولاج. معالجة تصب في مضاعفة العنصر الكيتشي ضمن قالب شعبويّ. عمل ذو جماليّة عالية، لكن يبقى من دون تقديم جديد قيّم.
أما ناديا العيسى (1984)، فتقدّم في «بدون عنوان» (8 كلم ـــ من وحي دانيس تانوفيتش) عملاً جارياً حول منطقة المشاع بين الحدود السورية واللبنانية. في عملها، تعيد الفنانة النظر في مفاهيم الهوية والأوطان والحدود. لذا، قررت أن تسكن فترة في المنطقة المذكورة. وفي تجهيزها، تقدم المراسلات الخطيّة التي أجرتها مع وزارة الدفاع والأمن العام اللبنانيين مع الردود، وخريطة لمنطقة عنجر، وتعريفاً «للجمهوريّة السوريّة العربيّة» حسب كتاب «أطلس لبنان» (نسخة 1964) وبعض المقالات عن زيارة رؤساء كجمال عبد الناصر، وفؤاد شهاب، وولي العهد السعودي حينها الأمير عبد الله لمنطقة المشاع... وتبقى هذه المواد توثيقاً لبحث مثير للاهتمام، لكنه لم يرتقِ إلى مستوى المادة الفنية.
أما فرانسيسكا بيرفوس (1981)، فطلبت من العاملين في مرأب للسيارات في إحدى ضواحي المدينة، تحويل سيارة «تويوتا» إلى «مرسيدس». وقدمت السيارة الجديدة تحت اسم «تويوتا على بنز». قد يكون مقصد الفنانة مساءلة المظاهر اللبنانيّة، لكنّ العمل لم يحرّض المشاهد على الغوص ومساءلة الفعل ربما بسبب فقدان بعض العناصر التي اختُصرت في النتيجة النهائيّة للشكل.
تبقى هناك أعمال لم تقدم الكثير كعمل لور دو سليس (1986) التي وضعت كاميرا على سطح خزان مياه لتصوّر مغيب الشمس في منطقة «بيرزيت (فلسطين). أما باسم منصور (1969) ودانه الجودر (1986)، فقدما تجهيزاً من فيديو وصوت يظهران مدى تأثير المكان فيهما في ارتجال الأصوات تحت عنوان «جدليّة صوتيّة». أما في «فيترين 70»، فتعرض ستيفاني سعادة (1983) صورتين لغرضين أثريين احترقا خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، حين قُصف المتحف الوطني. انصهرت المواد وتمازجت لتؤلّف شكلاً جديداً، لكنّ خيار سعادة بتصويرهما يبقى غامضاً، وخصوصاً أنّ ذلك لم يُضف بعداً فنياً إلى الحالة الأساسية.
فتح مارسل دوشان باب عالم الفن المعاصر على مصراعيه. ومن يومها، توالت التجارب، وحفظ التاريخ بعضها، ورمى الكثير. على أمل أن يبقى «مركز بيروت للفن» رائداً في توفير مساحة للفنانين الناشئين لممارسة التجريب، ولندع الحكم للتاريخ.



«عتبات 2011»: حتى 21 ك2 (يناير) ــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي). للاستعلام: 01/397018