منذ أسبوعين، أنهى إبراهيم أصلان اجتماع «اللجنة العليا لمكتبة الأسرة» التي يرأسها. توجّه إلى وسط القاهرة، وسار في شوارع وسط القاهرة قبل أن يصل إلى مقهى «زهرة البستان». هناك، احتسى الشاي، ثم غادر إلى مقهى «الجريون» الشهير. في تلك الليلة التي بدا فيها كأنه يودّع أماكنه الثقافية التي شهدت الكثير من معاركه، حدثنا عن أمه «السيدة التي لم تكن تنام إلا بعد أن تطمئن على عودته وتناول عشائه. ثم تدخل لتنام بهدوء». ذات مرة، نسيت ما إذا كانت قد تركت لإبراهيم نصيبه من اللحم أو لا، فظلت مستيقظة بجوار سريره حتى استيقظ عند الظهيرة، فسألته: «هل تركت لك نصيبك؟» أجابها بنعم، ثم انسلت لتنام. كان صاحب «يوسف والرداء» يتحدث بعذوبة عن والدته، وعن صديقه الروائي الراحل خيري شلبي. كان الجميع يضحك من حكايات «المقالب» بين الاثنين. يقول إبراهيم: «كان يصرّ على أنّني لست كاتباً لأنني مقلّ، والأديب الحقيقي ينبغي أن يصدر عشرات الأعمال. وأنا من جانبي، أصرّ على أنه ليس كاتباً لأنه يكتب كثيراً. وأنا أحاول أن أقنعه بأنّ الكاتب الكبير ليس بعدد الأعمال. ذات مرة، اتصل بي يسألني عمّا إذا قرأت روايته الجديدة. أجبته: لا يا خيري. قال لي: والنبي اقراها مش حتصدق إني أنا اللي كاتبها». ضحكنا وهو يتحدث عن العم خيري صديق عمره، وكدنا نبكي وهو يتحدث عن مكالمتهما الأخيرة التي سبقت رحيل خيري بلحظات. تحدث يومها أصلان عن الموسيقى والعمر الذي لن يكفي ليستمع إلى ما يحبّ، وعن مدرسة التلاوة المصرية، وعن الثورة التي كان يرى أنه فرح جداً بها، مهما كانت نتائجها. كان يقول: «لم أرحل قبل أن أشهد أبناء مصر وهم يقدمون للعالم بطاقة تعريف جديدة لهذا الوطن». وأول من أمس، خرج أصلان من المستشفى بعدما قضى أربعة أيام في إجراء التحاليل والفحوص وعلاج عضلة القلب المجهدة. خرج والتقى الأصدقاء. لم يكن سعيداً وهو يتحدث عن ترشيحه لجائزة «النيل»، لكنه أبدى رغبته في مشاهدة فيلم «منتصف الليل في باريس» الذي يتحدث عن همنغواي أستاذه الحميم. وعده سعيد الكفراوي بأن يحضره له في اليوم التالي. لم ينتظر أصلان أن يشاهد الفيلم. جلس على كرسيه الهزاز الذي لطالما كتب عن حبّه له... ومضى!



تقبل التعازي بالراحل بعد ظهر غد في «مسجد الشرطة» في منطقة صلاح سالم