بعد عشرة أشهر على الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام في سوريا، أعلن بعض المثقفين السوريين عن تأسيس «رابطة الكتاب السوريين»، لتكون تعبيراً ثقافياً جماعياً داخل الحراك الشعبي المحكوم بالسياسة والأمن. كثيرون لم يفاجئهم أن يكون الشاعر نوري الجراح (الصورة) دينامو المشروع الذي بدأ باتصالات مع بعض الكتاب في الخارج والداخل، وانتهت إلى إصدار بيان تأسيسي حدّد الإطار العام لعمل الرابطة ونشاطها في «تكتيل صوت ثقافي قوي ينطق باسم الشعب السوري وحريّته»، بحسب تعبير الجراح. صاحب «مجاراة الصوت» الذي دعا مرةً إلى إنشاء رابطة للمثقّفين العرب في المهاجر والمنافي، يُدير ظهره للشعر قليلاً ليجاريَ الحراك الذي يجري في بلدهم. لماذا الآن؟ نسأله في حديث هاتفي معه في لندن، فيقول إنّ «الدعوة إلى تأسيس رابطة تضمّ مثقفين هي استجابة طبيعية للوضع المتفجّر في سوريا.
ما يحدث اليوم يحتاج إلى ضمير أخلاقي ونقدي، سواء تجاه السلطة التي نطالب مع الشعب بتغييرها، أو المعارضة التي علينا كمثقفين تصويب مواقفها. لسنا ضد «المجلس الوطني»، لكن لا يمكن تركه ممثلاً وحيداً عن السوريين، ولا يجوز أن يبقى الكتّاب أنفسهم مجرد أصوات فردية مشتتة».
ويشير الجراح إلى أن السياسيين براغماتيون مقارنة بالمثقفين الأكثر جذرية في مواقفهم. يُبدي تشاؤمه من وصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس ومصر وليبيا، ويتخوف من حدوث ذلك في سوريا. «لا أريد أن يحكم الإسلاميون بلدي، لكني سأعارض ذلك ضمن قواعد ديموقراطية طبعاً». كيف جرى اختيار الأعضاء المؤسسين للرابطة؟ «نحن لسنا مؤسسين، بل متداعون إلى التأسيس»، يردّ بسرعة، موضحاً أنّه لم يكن يوماً راغباً في صفة أو منصب. «كلّ شيء موقّت وقيد التأسيس حالياً في انتظار إجراء الانتخابات في نهاية هذا الشهر، حيث سيجري تأليف أربع لجان، ثم يُنتخب منسّق عام ورئيس للرابطة». ستجري الانتخابات على موقع الرابطة بسبب صعوبة جمع المنتسبين الحاليين في مكان واحد. الصيغة المقترحة تثير سؤالاً عن التمويل. يسارع الجرّاح إلى التوضيح بأن الرابطة أشبه بـ«تنسيقية أدبية أو ثقافية ضمن التنسيقيات الأخرى للثورة»، ويشير إلى أنّه أنشأ الموقع الإلكتروني من جيبه الخاص، وأنّ اشتراكاً شهرياً سيفرض على الأعضاء بعد الانتخابات. «ستعقد جمعية عمومية في دمشق حين تدقّ الساعة، وسنعلن عن كل شيء. سنقبل مساعدات من جهات مدنية أو شخصيات وطنية، ولن نقبلها من حكومات أو جهات سياسية».
لكن ماذا عن شروط العضوية، هل الانحياز إلى الحراك الشعبي كافٍ لقبول أي كاتب؟ «لا طبعاً. هذا معيار أخلاقي ينبغي أن يكون مقروناً بالحضور الثقافي أو بحد أدنى من المؤلفات». ماذا يردّ على أمثال نزيه أبو عفش من المثقفين الذين عبّروا عن خوفهم من الأجندات المشبوهة لمن يدّعي تمثيل المعارضة؟ «الرابطة مع التغيير، لكنّها لن تخوّن أحداً. لن نكرر ممارسات «البعث» في سوريا». وماذا عن أعضاء اتحاد الكتاب الحالي؟ «نحن نشجّع المناصرين للتغيير على الاستقالة. الشاعرة عائشة أرناؤوط أصدرت بياناً باستقالتها. حالياً نعتبر مجرد الانتساب إلى الرابطة استقالة من الجهة الأخرى». هل ستتماهى الرابطة مع «المجلس الوطني» في حال طلب التدخل العسكري؟ «سنكون ضد التدخل العسكري الخارجي، لكن لن نعارض إيجاد طريقة مناسبة لحماية المدنيين. على أي حال، بعد الانتخابات سيكون هناك توضيح لكلّ شيء».
لكن ما المسافة الفاصلة بين تمنيات الشاعر، ومنطق السياسة وآليات الأمر الواقع؟ يكرّر «المنسّق الموقّت» للرابطة بأنّها ستكون «جمعية مستقلة حتى عن سلطة الثورة»، وستعيد الاعتبار إلى «مكونات الثقافة السورية المؤلّفة من عرب وأكراد وأرمن وآشوريين...». بالنسبة إليه، الرابطة كانت ضرورية في كل الأحوال… فهي «بديل ديموقراطي» من «اتحاد الكتاب» الذي لطالما كان «عصا غليظة تقمع الكتاب».