عمّان | أحرق أحمد المطارنة نفسه قبل ثلاثة أيام أمام الديوان الملكي في عمّان ومات. ثمّ أحرق ياسين الزعبي نفسه قبل يومين ومات هو أيضاً. نشر هذان الخبران ضمن بيانات الأمن العام في الصحف المحلية. أما مجلس النواب الأردني، فلم يحرّك ساكناً. كيف لا، وهو المشغول حالياً بموضوع أهمّ: حجب الثقة عن وزير الدولة لشؤون الإعلام، والناطق الرسمي باسم الحكومة راكان المجالي! حتى الساعة، وقّع 55 نائباً مذكّرة الحجب بحجّة أن المجالي «تغيّب عن اجتماعات المجلس ولجانه».
لكن الأمر لا يتوقّف عند التغيّب عن الاجتماعات، وهي العادة التي اتّبعها بعض النواب لتهريب النصاب القانوني لدى التصويت على القوانين. بل إن الدافع الرئيسي لهذه الحملة هو محاولة المجالي التفلّت من المنظومة المحافظة الرثّة التي لا يجب الخروج عنها؛ إذ شارك في مسيرة إصلاحيّة قبل ثلاثة أسابيع، وكتب على صفحته على فايسبوك أن الفساد سيطاول جميع الفاسدين من «أمانة عمان، ومن النهر إلى الصحراء، ومن ثغر الأردن الباسم حتى عروس شماله، ومن البزنس إلى الإعلام إلى السياسة»، إضافة إلى تصريحاته عن إجراء انتخابات نيابيّة مبكرة.
لكن ما أثار حفيظة النواب فعلاً هو تصريحات المجالي لقناة «الجزيرة» بعد أحداث مدينة المفرق (شرقي عمّان) قبل أسبوعين التي أُحرق خلالها مقرّ «حزب العمل الإسلاميّ». يومها، قال الوزير الآتي من صلب العمل الصحافي إن في الأردن «قوى شدّ عكسي لا تريد الإصلاح». وأكّد أن الحكومة تريد الإصلاح، وأن إصابة مدير الأمن العام خلال تظاهرة المفرق هي دليل على أنّه لا علاقة للأمن بكل الشغب الذي حصل. وفوراً، فُسّرت هذه التصريحات بأنها اتهام مباشر لإحدى أكبر العشائر في المدينة، ومسّ بقدسية العشائر.
وتزامن ذلك مع قيام يوسف الدلابيح (من أعيان مجلس الأمة) الذي ينحدر من العشيرة نفسها، بشنّ هجوم لاذع على الصحافيين في جلسة لمجلس الأمة؛ إذ وصفهم بـ«الانتهازيين والمنافقين»، قائلاً إنه يجب ضربهم بـ«قوة على رؤوسهم»، وهو الأمر الذي استدعى رد المجالي نفسه بقوله إنّ «هذا الكلام البذيء غير لائق ومن غير المعقول أن يصدر في مثل هذه الجلسة، ولن أسمح أن توجه أية إهانة لزملائي وللإعلام»، مشيراً إلى أنّ الإعلام الأردني «قدم الكثير للوطن ولخدمة المواطن»، ومتسائلاً عمّا قدّمه الدلابيح.
وإذ سارعت نقابة الصحافيين إلى إقامة وقفة تضامنيّة مع المجالي الذي شغل منصب نقيب الصحافيين لسنة واحدة (1977ـــ 1978)، يوم أمس، لم تجد العشائريّة من يقف أمامها، إلا العشائريّة أيضاً! بينما استنكرت العشيرة المعنية تصريحات المجالي، أصدرت «اللجان الشعبيّة» في مدينة الكرك (التي ينحدر منها الوزير) بياناً تضامنيّاً معه؛ لأنه «يصطف إلى جانب الوطن عندما بدأت تصريحاته تنسجم مع إرادة الشعب وتطلعاته».
والآن، بينما تتردد أخبار عن إسقاط مشروع حجب الثقة، والمصالحة بين الوزير والعين، يتناسى البعض أن منصب وزير الدولة لشؤون الإعلام هو «محرقة» لجهد الشخصيات المحسوبة على الإصلاح. بل تُعَدّ الوزارة نافذة إصلاح صغيرة، حيث احتمالات غلقها أكبر بكثير من احتمالات فتحها. وهو الأمر الذي حصل مع الصحافي طاهر العدوان الذي اضطر إلى الاستقالة متأخراً من منصبه، فهل يفعلها المجالي قبل أن تُغلق النافذة؟