بعد أربع سنوات على غيابها، أطلقت وزارة الثقافة الجزائرية مجدداً «جائزة مالك حداد للرواية»، بعدما كانت أحلام مستغانمي أوّل من أسّس هذه المبادرة المستقلة عام 2001، ثم أوقفت عام 2008 بسبب عقبات كثيرة أولاها ضعف الدعم الرسمي المالي ومشاكل مع المموّلين الرئيسيين، أي التلفزيون الجزائري و«الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة». كذلك اصطدمت الجائزة بمحاولات الهيمنة من المؤسسة الرسمية حين هددت وزيرة الثقافة خليدة تومي بـ«تأميمها»، ما دفع صاحبة «عابر سرير» إلى التهديد بنقل الجائزة إلى دولة خليجية. وتحوّل السجال بين مستغانمي وتومي إلى موضوع للتندر في الأوساط الثقافية الجزائرية، بعدما سعت كل واحدة منهما إلى توظيف الحظوة التي تحظيان بها لدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لكسب تأييده في معركة ليّ الأذرع بينهما.
ويبدو أن الرئيس الجزائري مال ـــ بعد طول تردد ـــ إلى دعم موقف الاستبلشمنت، ما أعطى الضوء الأخضر لهيمنة الوزارة مباشرة على الجائزة.
وحاول المؤيدون لوزارة الثقافة تبرير هذا القرار الذي يمثّل «تعدياً سافراً على استقلالية العمل الثقافي»، من خلال ترويج أن الأمر يتعلق بجائزة جديدة لا علاقة لها بـ«جائزة أحلام مستغانمي»، وإن كانت تحمل اسم الروائي مالك حداد. وهو الأمر الذي استغربه المعارضون للقرار الذين ردوا بأنّ «الجزائر التي أنجبت كتاباً كباراً، من كاتب ياسين إلى الطاهر وطار، لا تفتقر إلى الأسماء الثقافية إلى الحد الذي يبرّر أن تكون هناك جائزتان باسم كاتب واحد»!
قرار فرض الوصاية الرسمية على جائزة مالك حداد أثار خيبة كبيرة في أوساط المبدعين الشباب في الجزائر وخشيةً من سيطرة السلطة على معظم المبادرات الثقافية الفردية والمستقلة؛ إذ انتظر كثيرون أن تلبّي الوزارة طلب مستغانمي بإطلاق «مؤسسة مالك حداد» للإشراف على الجائزة والحفاظ على ذاكرة وتراث إحدى أهم الأسماء الأدبية في الجزائر. إلا أنّ ما حصل أنّ وزارة الثقافة «أمّمت» الجائزة وأوكلتها لمديرية الثقافة في مدينة قسنطينة بما يتوافق مع أجندة نشاطاتها السنوية. وستندرج الجائزة بدورتها المقبلة المنتظر توزيعها في حزيران (يونيو) المقبل تحت راية الاحتفال بنصف قرن على الثورة الجزائرية.
وكانت «جائزة مالك حداد» قد أسهمت في بروز أسماء روائية شابة، أمثال ياسمينة صالح، وحسين علام، وعبير شهرزاد وكمال قرور. وخلال السنوات العشر الماضية، عُدَّت معبراً للروائيين الجزائريين إلى القارئ في المشرق العربي، بفضل اعتمادها منطق نشر الأعمال الفائزة بالاشتراك بين «منشورات الاختلاف» (الجزائر) و«الدار العربية للعلوم ناشرون» (لبنان).
ورغم أنّ بعض الفائزين السابقين بالجائزة أشاروا إلى الطابع التجاري في التعامل مع رواياتهم، وعدم التزام الناشرين توقيع عقود معهم وفق ما تنصّ عليه الجائزة، فإنهم يقرّون بفضلها في إبراز الحساسية الجديدة في الرواية الجزائرية وتمتّعها بالاستقلالية.
وبينما حاولت «الأخبار» مراراً الاتصال بمستغانمي للوقوف عند رأيها، لكن خطّها كان مقفلاً، صرّح الروائي بشير مفتي الأمين العام لـ«منشورات الاختلاف» التي كانت طرفاً في تنظيم الجائزة: «حاولنا أن تبقى الجائزة مستقلة من جميع النواحي حتى لو أنّ دعمها المالي كان يأتينا من الديوان الوطني لحقوق المؤلف ومن مؤسسة التلفزيون الجزائري. حافظنا على استقلاليتها من خلال اختيار لجنة عربية لتقويم الأعمال، تمثلت في يمنى العيد، ونبيل سليمان والراحل سهيل إدريس».
لكن طوال السنوات الماضية، كانت «منشورات الاختلاف» محل انتقاد واسع أيضاً؛ إذ اتهمها بعض الكتاب بتبني الوصاية على الرواية الجزائرية، مستفيدة من موقعها كمشرف على الجائزة. «ولطالما جرى التلاعب أيضاً بجائزة مالك حدّاد والاحتيال على دفع قيمة الجائزة للفائزين بها أو دفع قسط وغض الطرف عن القسط الآخر» يقول شرف الدين شكري مترجم أعمال مالك حداد إلى العربية. ويضيف: «ما يهمّ الآن في ما يخص نقل الجائزة هو نوعية اللجنة التي ستشرف عليها أخلاقياًَ. آمل أن تبتعد عن سياسة التزوير». ومع تولّي وزارة الثقافة «جائزة مالك حداد»، ينتهي عقد من تطلعات جيل من الروائيين نحو تأسيس فعل أدبي مستقل. ستضاف الجائزة إلى مجمل الجوائز الرسمية التي توزعها الوزارة على شعراء وروائيين ومسرحيين مدافعين عن السياسة الرسمية كما نلاحظ في «جائزة عبد الحميد بن هدوقة للقصة القصيرة» على سبيل المثال. ويبقى خيط الأمل معلّقاً بـ«جائزة محمد ديب الأدبية» التي حافظت مع السنوات، على استقلاليتها ونزاهتها، رغم أنّها تركز غالباً على الأعمال المكتوبة باللغة الفرنسية، في انتظار أن تنفتح على الكتّاب الشباب باللغة العربية.



100% جزائرية


أعلن مدير الثقافة في قسنطينة، الروائي جمال فوغالي (الصورة)، أنّ «جائزة مالك حداد» الجديدة ستحظى بالترويج الكافي لفتح باب المشاركة لمختلف الروائيين الشباب في الجزائر. ولم يحدّد قيمة الجائزة، لكنه أشار إلى أنّ لجنة التحكيم ستتألف من أسماء جزائرية، رافضاً اللجوء إلى خبرات أجنبية كما حصل في الدورات السابقة؛ لأنّ ذلك يُعَدّ «استهانة بالقدرات الإبداعية الجزائرية». وستوزّع الجائزة سنوياً بعدما كانت تقام كل سنتين.