يفتح النظام السعودي هذه الأيام جبهات داخلية عدة. حالة توتر وعسف أمني وإعلامي خيّمت على المشهد مع ظهور أصوات في المملكة تنادي بالديموقراطية ودولة حقوق الإنسان. هذه «الأزمة» تدار إعلامياً وأمنياً على الأرض وفي الفضاء الافتراضي، خوفاً من انسحاب الربيع العربي على الداخل السعودي. وخير مثال على ذلك ما حصل مع برنامج «عين على الديموقراطية» الذي يقدّمه محمد اليحيائي على قناة «الحرة». البرنامج المباشر خصّص حلقته يوم الجمعة للإصلاحات السياسية

في الخليج عام 2012. واستضاف رئيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية «حسم» عبد الكريم الخضر الذي يمثّل تياراً حقوقياً تعددياً ويتبنى خطاً إسلامياً يستشعر النظام السعودي خطره لما له من تأثير على المجتمع. خلال الحلقة، تحدّث الحقوقي السعودي عن الدستور الإسلامي، وقضايا المعتقلين السياسيين، والانتهاكات التي تحصل داخل السجون في المملكة. أثناء ذلك، قُطع الصوت من الاستوديو في الرياض ليبدو الأمر كخلل فني. بعدها، انقطع الصوت والصورة بعد استعانة الخضر بالهاتف الخلوي لتكملة الحديث. مع ذلك، قُطع أيضاً الخطّ الخلوي عن الخضر. لم يجد الأخير أمامه سوى تويتر. كتب في حسابه أنّه سينشر مقالاً يسرد فيه كل ما لم يقله على شاشة «الحرة» لتتفاعل تلك الفضيحة وتنتقل إلى الفضاء الافتراضي.
وفي اتصال مع «الأخبار»، علّق الحقوقي محمد القحطاني بأنّ هذه الحادثة «محاولة بائسة من النظام لإسكات كل صوت يتحدث عما يجري داخل المملكة عبر الإعلام الخارجي الذي يقع خارج تأثير الإعلام الرسمي من إذاعات وصحف. لا يمكن أن نوصل أصواتنا إلا عبر الإعلام الدولي أو مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي نُشر فيه عملاء سريون في هذه المواقع لتشويه العمل الحقوقي وشنّ حملات ضدنا».
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها البرنامج لمقص الرقيب السعودي. لقد تم قطع الصوت منذ شهر في إحدى الحلقات التي استضافت محمد القحطاني نفسه. بعض الضيوف أيضاً تلقّوا تهديداً مباشراً بقطع البث في إذا تحدثوا ضد النظام السعودي. وهذا ما حدث قبل شهرين في جدة حين طلب مالك الاستوديو من الحقوقي باسم عالم ألّا يتكلم ضد النظام وإلا يقطع الإرسال وفق ما يقول محمد القحطاني لـ«الأخبار».
ومقابل التضييق على الناشطين في وسائل الإعلام الخارجية، يشنّ الاعلام المحلي همجات على كل الداعين إلى الإصلاح، وكان آخرها هجوم طاول البيان الأخير الذي أصدره ناشطون ومثقفون ورفضوا فيه الحل الأمني في منطقة القطيف، وطالبوا بلجنة تحقيق هناك مع الدعوة إلى إطلاق إصلاحيي جدة الـ16. ورداً على ذلك، مُنع الناشط محمد سعيد الطيب من السفر إلى القاهرة منذ أسبوع. وفي اتصال مع «الأخبار»، يتحدث المحامي وليد أبو الخير عن حملات مكارثية تشن ضد الحقوقيين وتظاهرات القطيف التي تشهد تدهوراً في الأوضاع الانسانية والأمنية. ويتابع أبو الخير: إنّها «حرب عنيفة ضد كل صوت سني يرفض الحل الأمني في القطيف. النظام يحذّرنا من التضامن بعيداً عن الطائفية التي يروّج لها. هناك حملة لعزل القطيف، وبلدة العوامية (تقع في القطيف) تدار أمنياً وإعلامياً». القطيف التي تجاوزت الخط الأحمر ورفعت شعارات ضد النظام والظلم الواقع عليها، يحاول أهلها وحقوقيون وناشطون مستقلون إيصال أصواتهم عبر منظمات حقوق الانسان والقنوات التلفزيونية العالمية كـ«بي. بي. سي» العربية. لكنّ النظام السعودي يلعب اليوم لعبة التخويف في المملكة. لعبة احترقت أوراقها في بلدان عربية عدة نسيت أنظمتها مقولة «إذا الشعب أراد الحياة...».