لم يكن اللبنانيون في حاجة إلى سقوط مبنى على رؤوس قاطنيه، ليكتشفوا حجم العجز الذي يعتري مؤسسات الدولة، وضعف إمكانات أجهزة الإغاثة. لكنّ بعض الشاشات المحلية كانت حتماً تحتاج إلى امتحان من هذا النوع، لتكتشف عدم جهوزيّتها لمواكبة المآسي الإنسانية. مساء أول من أمس، قلبت المحطات أولوياتها، اختفى بان كي مون، والثورة السورية، وملفّ الأجور عن العناوين الأولى، لتحلّ مكانها قصّة حزينة عن انهيار مبنى في الأشرفية (بيروت)، وتبدأ بعدها رحلة البحث عن سكّانه الذين لم ينجُ منهم إلا عدد قليل من المحظوظين.
وتماماً كما حصل قبل عامين، عند سقوط الطائرة الإثيوبية، غرق المراسلون في التكهّنات: المبنى مؤلّف من خمس طبقات أم سبع؟ عدد الموجودين فيه لحظة سقوطه ثلاثون أم خمسون؟ أسئلة كثيرة لم يجد المشاهد إجابات عنها إلا بعد مرور أكثر من ساعتين على الفاجعة. ورغم هذا الضياع الذي قد يكون مبرراً في بعض الأحيان، كانت قناة mtv أول الواصلين لالتقاط المشاهد الأولى للانهيار التي نقلتها عنها لاحقاً المحطات الأخرى. كما حصلت على صور حصرية للمبنى قبل انهياره. أما lbc التي تأخّرت في الوصول إلى مكان الحدث، فقد عوّضت عن هذا التأخير بالتغطية المهنية لمراسلتها تانيا مهنّا التي تمكّنت من لقاء كل المسؤولين الذين نزلوا إلى الأشرفية، كما وافت المشاهدين بكل التطورات: من أسماء الناجين، إلى هويات المفقودين والجثث، ومقابلات مع بعض الأهالي الذين كانوا يترقّبون مصير أقاربهم.
نجاح mtv وlbc، قابله ضعف وضياع في محطات أخرى. على شاشة otv، كان التنسيق غائباً بين الاستديو والمراسلين. هكذا شاهدنا في نشرة الأخبار المسائية مقابلة مع والد الضحية آن ماري عبد الكريم (15 سنة). لكن يبدو أنّ مندوبة المحطة إلى الأشرفية ملفين خوري لم تكن على علم بهذه المعلومات، فأطلّت علينا في نهاية النشرة لتقول: «علمنا الآن أن الفتاة التي استخرجت جثّتها هي من عائلة عبد الكريم». وفي مقابل هذا الضياع البرتقالي، غرقت قناة «الجديد» مرّة أخرى في لعبة الإثارة، فأضاع فراس حاطوم البوصلة، ولولا أصوات عمال الإغاثة ونحيب بعض الحاضرين، لظننّا أن الحدث في مكان آخر. أطلّ علينا مراسل المحطة ليخبرنا أن الجيش اعتدى على فريق «الجديد» ومنعه من الاقتراب من مكان الحدث. ثمّ كرّر ذلك في رسالة ثانية، لنسمعه أخيراً يشكو لرئيس الجمهورية ميشال سليمان معاملة القوى الأمنية له. أما المبنى المنهار وضحاياه فبإمكانهم الانتظار ...



«غرباء» بلا أسماء

قبل عامين وعند سقوط الطائرة الإثيوبية، سقط الإعلام اللبناني في فخّ العنصرية، فتحوّل الضحايا الإثيوبيين إلى مجرّد أعداد من دون وجوه ولا أسماء. أول من أمس، تكرّر المشهد لكن هذه المرة مع عمّال سودانيين، وفيليبينيين، وإثيوبيين ... لم نعرف أسماء هؤلاء، ولا أعمارهم. شاهدنا فقط صورهم يخرجون من تحت الأنقاض مضرّجين بالدماء، فاقدين الحركة. ولم تتغيّر الصورة (نسبياً) إلا يوم أمس. هكذا استمعنا إلى كريستين حبيب («الجديد» ـــــ الصورة) تعرّفنا إلى أسماء السودانيين الذين نجوا، وعناوين المستشفيات الموجودين فيها ... أما القسم الأكبر من المحطات ففضّل تهميشهم والتركيز على الجرحى والقتلى اللبنانيين.