«ربيع اليمن ــــ تحديات التغيير والتحديث» (دار التوفيق ــ بيروت) لحسين صفي الدين، أحد الكتب التي جاءت ضمن الاهتمام باليمن كحدث فرض نفسه على المشهد، بعدما بقي متوارياً فترة طويلة. ولو ظهر لكان ذلك عبر أخبار تنظيم «القاعدة» الذي اتخذ ذاك البلد ساحة مفتوحة للاقتتال. ويمكن القول إنّ «ثورة الشباب» نجحت في تعديل تلك الصورة وإظهار اليمنيين على حقيقتهم وهم يقاومون بسلمية من أجل الانتقال من «خريف علي صالح» إلى «ربيع اليمن». الثورة التي لم تنجح في إسقاطه حتى الآن، تمكّنت على الأقل من جعله رئيساً شرفياً بعد توقيعه تعهداً بالتنحي عن الحكم بعد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في شباط (فبراير) المقبل. على ضوء هذه المعطيات، يتوقع قارئ كتاب «ربيع اليمن» أن يجد ــ بحسب عنوانه ـــ خارطة تفصيلية ترصد الخطوات التي سارت عليها الثورة وأسبابها.
منذ التمهيد الذي تصدّر الكتاب، نلمس دراية واضحة عند الباحث اللبناني في الشأن اليمني كمتخصص يعمل من الداخل لا كمعلّق خارجي يكتفي بالوقوف عند الخطوط العريضة للأحداث والوقائع. في هذا التمهيد، يقدّم صفي الدين موجزاً وافياً عن ظروف إعلان الوحدة بين شطري اليمني الجنوبي والشمالي عام 1990، وهو الحدث الذي أقلق السعودية، باعتباره قد يمنح اليمن استقلاليةً في القرار السياسي بعيداً عن هيمنة أحفاد آل سعود. وبناءً عليه، سعت المملكة إلى التآمر على هذه الوحدة على نحو غير معلن.
بعد ذلك، ينتقل الكاتب إلى تآمر صالح نفسه على الوحدة، من خلال أساليب شتى، كإقصاء القادة الجنوبيين عن الحكم، كما عمد إلى عمليات اغتيالات منظمة أودت بحياة نحو 300 قيادي من الحزب الاشتراكي ــ الشريك في الوحدة ــ عبر اللجوء إلى عناصر مسلحين يقول الكاتب إنّهم تابعون لتنظيم «القاعدة». وهو أمر ليس دقيقاً، فـ «القاعدة» لم يظهر علنياً في اليمن إلا في وقت لاحق. وكان التنظيم حينها ممثَلاً عبر تحالف بين العناصر الجهادية العائدة من أفغانستان، ورجل الدين المتطرف عبد المجيد الزنداني والنظام. وهو ما يقوم الكاتب بتوضيحه في مكان لاحق من الكتاب. مع ذلك، يبقى دور هؤلاء العناصر الجهاديين أكيداً، إضافة إلى دور قبائل الشمال في احتلال الجنوب بعد انتصارها في حرب 1994 ضد الاشتراكي، وبعدما رفعت راية الجهاد عليه «باعتباره نظاماً شيوعياً معادياً
للإسلام».
هكذا أصبح صالح «الحاكم الأوحد» لليمن، بعدما خلق توازنات قبلية جديدة لعب على أوتارها، تماشياً مع الوضع الجديد، لكنّ مزاجه المتقلب جعله ينقلب على هذه التوازنات، عندما سار في طريق توريث الحكم لنجله أحمد علي عبد الله صالح، لا أحمد محسن الأحمر، كما أورد الكاتب الذي وقع في التباس بين علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر، حليف صالح الأول منذ بداية حكمه، كما أنّه ليس الأخ غير الشقيق لصالح، كما قال الكاتب، بل هو شخص ينتمي فقط إلى القبيلة التي ينتمي إليها صالح. لكن يبقى ـــ بحسب ما أورد صفي الدين ـــ أنّ العامل الحاسم في كسر علاقة صالح بالقبائل كان موضوع التوريث. كان يمكن الكاتب الاستطراد في هذه النقطة باعتبارها العامل الذي دفع أيضاً بعلاقة صالح وعلي محسن إلى التوتر على نحو تدريجي، كما أنّ مسألة التوريث سرّعت حركة الاحتجاجات السلمية ضد نظام صالح، ما أدّى إلى هذا «الربيع اليمني»، الذي يفترض أن يكون موضوع الكتاب الرئيسي وفق ما يدلّ عليه العنوان. لكنّ القارئ لا يتمكن من ملاحظة هذا «الربيع» إلا من خلال مرور الكاتب عليه عبر مقاطع مضافة في الأسطر الأخيرة من التمهيد المتصدّر للكتاب، إضافة إلى مقدمة مختصرة تتحدث عن «رياح التغيير» التي تجتاح العالم العربي. وينتهي بالحديث عن «حركة الشعب اليمني ضد السلطة من أجل إسقاط النظام»، من دون إعطاء أي تفاصيل إضافية عن هذه «الحركة» وحقيقة ما يحدث بداخلها. وبين مرور الكاتب السريع على ذكر «الثورة» في تمهيد الكتاب والخاتمة، يظهر أن محتوى «ربيع اليمن» هو مجموعة من الدراسات الجادة عن اليمن، كان يمكن أن تكوّن كل واحدة كتاباً منفصلاً. وهي موضوعات يبدو أنّ المؤلف قد أنجزها في فترات سابقة، ووجد الوقت مناسباً كي يخرجها إلى النور تماشياً مع حالة الثورات العربية القائمة. مع ذلك، كتاب «ربيع اليمن» جادّ يحكي عن اليمن وتاريخه، لكن أين الربيع؟