الجزائر | بعد ثلاثة عقود على غيابها، تعود زليخة السعودي (1943 ـــ 1972) إلى دائرة الضوء. في كتاب «الأعمال غير الكاملة لزليخة السعودي» (منشورات دار البهاء ــ قسنطينة)، جمع الباحث المختصّ بالأدب النسوي الجزائري شربيط أحمد شربيط، مجموعة رسائل تحمل توقيع رائدة القصة القصيرة في الجزائر. يحتوي الكتاب نسخاً أصليّة من المراسلات الخاصّة بينها وبين الراحل الطاهر وطار (1936 ـــ 2010). رسائل توثّق لحبّ جميل بين كاتبة غيّبها الموت باكراً، وروائي مناضل اعتبر الحب في حياته «استراحة محارب». رحلت زليخة السعودي قبل أن تخوض آخر معاركها مع الكتابة. لكن رغم مشوارها القصير الممتدّ على عشر سنوات من العطاء الأدبي، استطاعت أن تثير جدلاً واسعاً. وتأجج هذا الجدل بعد وفاتها، بسبب اتهام الطاهر وطّار بالسطو على تراثها الأدبي، وإخفاء مخطوط لأحد أعمالها الأدبية زعم بعض مؤرخي الأدب الجزائري أنه استوحى منه روايته الأشهر «اللاز». لكنّ عمّ الراحلة، أحمد السعودي، تولّى تفنيد هذه الاتهامات، مؤكداً أنّ وطاّر كان «عراب» زليخة الأدبي، وسبب مواصلتها الكتابة عبر نشره قصصها على صفحات مجلته «الميادين».

تضمّ المراسلات رسائل تبادلتها مع كتاب جزائريين كثر من أبناء جيلها أمثال عيسى مسعودي، ومحمد الأخضر السائحي، وزهور ونيسي. إلا أنّ مراسلاتها مع وطار تبقى الأكثر إثارةً للجدل. إذ تواصلت لعقد من الزمن، وفاقت الـ300 رسالة أدبيّة من بينها 25رسالة شخصية. من بين هذه الوثائق النادرة، نجح شربيط في الحصول على تسع، بعد عشر سنوات من البحث والتنقيب.
قد يؤسس نشر هذه المراسلات لتقليد جميل في الساحة الثقافية في الجزائر، على طريقة رسائل الروائي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني للروائية السوريّة غادة السمان. ويميط هذا الكتاب اللثام على حقائق كثيرة، إذ يوثّق لمرحلة سياسيّة وثقافيّة مهمّة. ومن خلال رسائل العاشقين، نكتشف صراعات عاشها صاحب «عرس بغل» في مشواره الطويل، مراقباً في «جبهة التحرير الوطني»، ومسافراً يعشق الترحال، وكاتباً خاض تجربته إلى نهايتها. في اللقاء الأخير الذي جمعه بالأسرة الإعلامية في الجزائر قبل أشهر من وفاته، قال وطار: «المثقف هو الذي يتجاوز السلطة ونفسه معاً». لكن يبدو أنّ صاحب «اللاز» لم يستطع تجاوز حب سكنه زمناً طويلاً. وقد حاول مراراً الارتباط بزليخة رسمياً، إلا أنّ رفض والدها حال دون زواجهما، بسبب ظروف الطاهر وطار المعقدة وقتذاك. فهو المناضل اليساري المعارض، فيما تنحدر زليخة من عائلة محافظة، من مدينة خنشلة (شمال شرق الجزائر).
السجال حول علاقة الأديبين العاشقين، غذّتها حكايات كثيرة لمثقفي الجزائر. وبهدف إعادة إحياء إرث الراحلة الأدبي، أسس ابن عمّها عبد المجيد السعودي جمعيّة تحمل اسمها، ونظّم ملتقى أدبياً في مسقط رأسها خنشلة، دام بشكل بين 2000 و2003. لكنّ الملتقى تعثّر بعدما غرق في تجاذبات ماليّة، وسط تبادل اتهامات بينه وبين مديرية الثقافة في خنشلة، رغم إعلان وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي، عن دعمها المادي والمعنوي له.
وفي حديث مع «الأخبار»، قال رئيس الملتقى عبد المجيد السعودي: «أظنّ أنّ هناك من يريد تغييب اسم زليخة السعودي عن احتفاليات وزارة الثقافة. رغم البحبوحة المالية التي تميّز بها هذا القطاع في الآونة الأخيرة، وصرف أموال طائلة في خنشلة على مهرجانات لا تمت إلى الثقافة والفن بصلة، نصطدم دوماً بإجابة جاهزة من قبل مدير الثقافة: لا تمويل كافياً لإعادة بعث الملتقى».
وفي السياق نفسه، أكّد ابن الراحلة محمد السعودي أنّه لا يكاد يعثُر على شاهد لقبر والدته الموجود في إحدى مقابر ضواحي العاصمة. ورغم مطالبته المتكررة لوزارة الثقافة بضرورة نقل رفاتها إلى مسقط رأسها، لم يصله أيّ ردّ حتى الآن.