القاهرة | يوم الأحد الماضي، تعالت هتافات «يسقط يسقط حكم العسكر». هذه المرة، لم يكن المتظاهرون في الميدان، لكن في مواجهة مكتب وزير الإعلام المصري أحمد أنيس (لواء جيش متقاعد) الذي طلب من الإعلاميين في البرامج الإخبارية تقديم تغطية متوازنة للأحداث في ذكرى الثورة، بشكل يجعل أبناء مبارك في كفة واحدة مع ثوّار مصر. هكذا بات واضحاً للعاملين المنحازين للثورة في التلفزيون الرسمي أن لا شيء تغيّر سوى الأسماء. دخل أنس الفقي السجن، فظنّ كثيرون أنه سيكون آخر وزير إعلام في تاريخ مصر. لكن سياساته لا تزال باقية.

هكذا لم يمرّ أسبوع واحد هادئ على «ماسبيرو» الذي يضمّ عشرات القنوات والمحطات الإذاعية المملوكة للدولة أي للشعب، لكنها كلّها لا تتحرك إلا بتوجيهات من النظام الحاكم.
هكذا تولّى لواء جيش هو طارق المهدي المسؤولية بعد حبس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون وإعلان التخلص نهائياً من وزارة الإعلام. نجح المهدي في إعادة تنظيم التلفزيون مادياً، لكن سرعان ما أزيح وحلّ مكانه الأكاديمي سامي الشريف. في تلك الفترة، تخلّص التلفزيون من معظم الوجوه المكروهة لدى الشعب، في مقدمهم تامر أمين، واستُبعدت الأسماء القادمة من خارج المبنى بحجة تقليص النفقات، لكن من دون توفير البديل. هكذا، لم تجد أسماء مثل حافظ الميرازي، وحمدي قنديل، وحسين عبد الغني وغيرهم أي أبواب للعودة من خلالها إلى التلفزيون الذي أطلقه جمال عبد الناصر. ولأن الأحوال المادية تشغل معظم العاملين داخل المبنى (قرابة 45 ألف موظف)، لم يُطَح سامي عبد العزيز من رئاسة اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلا بعد فشله في إرضاء كل الأطراف. وفي تموز (يوليو)، عادت وزارة الإعلام وتولّى المحرر العسكري في جريدة «الوفد» أسامة هيكل الحقيبة الأكثر تأثيراً في مصر. ازدادت الأمور سوءاً في تشرين الأول (أكتوبر) تزامناً مع مذبحة الأقباط أمام مبنى «ماسبيرو». وفيما كان الاتهام الموجه للتلفزيون المصري خلال الثورة هو التعتيم وتشويه الثوار، تطور الأمر في عهد هيكل لتصبح التهمة التحريض على قتل المتظاهرين. واحتاج ثوّار مصر إلى أزمة عنيفة في تشرين الثاني (نوفمبر) كي تُغيَّر الحكومة وتتم إطاحة أسامة هيكل. وكالعادة، بعد ترشيحات لأسماء مدنية معروفة باعتدالها وانقطاع صلتها بالنظام السابق، حمل الحقيبة اللواء أحمد أنيس الذي يُعد من المحسوبين على النظام السابق! هكذا، بات الكل مدركاً أنّ الأجيال التي تربّت في كنف صفوت الشريف ـــــ أشهر وزير إعلام في تاريخ مصر والمسجون حالياً مع رجال مبارك ـــــ لن تنقرض بسهولة، وخصوصاً أنّ النظام لم يسقط بعد. هذا الواقع ينسحب أيضاً على وسائل الإعلام الخاصة. إذ تحوّلت القنوات الخاصة التي كانت تقف مع مبارك ونظامه إلى مهاجمة هذا النظام، وصنعت لأنفسها إلهاً جديداً. تلك الحالة أفقدتها صدقيتها في الشارع، وتعامل معها بعضهم على أنّها مجرد «أبواق للنظام».
ممالأة مبارك تحوّلت إلى ممالأة للثورة، ثم أصبحت ممالأة للمجلس العسكري. قناة «المحور» وقفت إلى جانب مبارك في بداية الثورة، بل كانت واحدةً ممن روّجت الشائعات حول ثوار ميدان التحرير، وهي القناة نفسها التي حاولت غسل يدها بعد سقوط مبارك، معلنةً أنّها كانت مع الثورة منذ يومها الأول. نافذة الحرية التي فتحتها «ثورة 25 يناير» دخل منها الفلول إلى عالم الإعلام. تحكّموا بقنواته الخاصة، لعل أشهرهم محمد الأمين مالك قنوات «سي بي سي»، و«النهار» و«مودرن» المحسوب على رجال أعمال النظام السابق. وربما كان ذلك السبب الرئيسي وراء اختياره المذيعين المعروفين بولائهم لنظام مبارك، كلميس الحديدي والإعلامي خيري رمضان الذي شنّ هجوماً على الشهيد الشاب خالد سعيد، قتيل وزارة الداخلية الذي كان أحد أسباب الثورة.
أهمّ ما يميز المحطات الخاصة بعد الثورة أنّها تعمل لمصلحة مالكيها، سواء كانت تلك المصلحة سياسية أو اقتصادية. قنوات «الحياة» المملوكة لرئيس حزب «الوفد» الجديد السيد البدوي، سخّرت طاقاتها لخدمة الحزب، وأعضائه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وأصبح واضحاً لمُشاهد «الحياة» أنّها تتبنّى وجهة نظر «الوفد». الأمر نفسه تكرّر مع «الفراعين» المملوكة للإعلامي ورجل الأعمال توفيق عكاشة، الذي انقلب من ولاء كامل لمبارك إلى تأييد كامل للمجلس العسكري. وفي الحالتين، أصرّ على مهاجمة الثوار، متهماً إياهم بأنّهم يعملون لمصلحة أجندات غربية.
يبقى من القنوات الخاصة المعروفة «دريم» و«أون تي في» اللتان أمسكتا العصى من المنتصف. لا هما مع الثورة ولا ضدها، ولا مع المجلس العسكري ولا ضده، وإن كانت «أون. تي. في» من أكثر المحطات التي تنحاز إلى الثورة والثوّار، وخصوصاً في برنامج «آخر كلام» الذي يقدّمه يسري فودة الذي عانى من محاولات المجلس العسكري منع عرض إحدى حلقاته.
وسط حالة الفوضى، استطاعت بعض المحطات أن تصنع لنفسها مكانة على خريطة المشاهدة، ساعدتها في ذلك ظروف عدة، وخصوصاً إغلاق مكتب «الجزيرة مباشر مصر». قناة cbc مثلاً ساعدها وجود كاميرا خاصة لها على مبنى مجاور لشارع محمد محمود الذي شهد أحداثاً دامية منذ شهرين، فنجحت في نقل ما يحدث مباشرة على الهواء، وهو ما لم تقم به المحطات الأخرى، ما منحها شعبية كبيرة لدى الشارع المصري. أما القنوات التي انطلقت بعد الثورة للتعبير عن شباب الميدان، فكانت شعبيتها عالية في بداية انطلاقها، ثم تأثرت بالأزمات المالية، مثل قناة «التحرير» التي رحل عنها النجوم، مثل: محمود سعد وبلال فضل. أما باقي القنوات فلا تزال بعيدة عن الشارع وثورته.