القاهرة | مخيمات قماشية شاهقة بدلاً من المباني الحجرية العتيقة. اللون الأبيض للخيام الواسعة بدلاً من الرمادي الكئيب للصالات الضخمة التي اعتادت استضافة «معرض القاهرة الدولي للكتاب»، أول ما يبدو لزائر لدورة المعرض الأولى بعد ثورة النيل. المساحات الشاسعة التي تضمها «أرض المعارض الدولية» تبدو كأنها ورشة عمل هائلة توقفت فجأة. الأرض ملأى بالحصى المجهّزة للرصف. المساحات الخضراء عادت تربة سمراء يبدو فيها واضحاً أثر الآلات تمهيداً للتشجير.
الدور العربية ما زالت ترصصّ معروضاتها من الكتب وبعض الدور لم يصل بعد. الزحام متوسط ربما لأنّ الشعب مشغول بافتتاح برلمانه. الهدوء شامل إلا من ميكروفون الندوات في المقهى الثقافي، وبعض المكتبات التي تبث الدعاية لمعروضاتها من الكتب الإسلامية، واحدة منها وضعت على واجهتها صور الشيخ الشعراوي وغيره من الدعاة. لكن ميكروفونها كان يبث أغنية جديدة لشيرين عبد الوهاب!
لم يقدّر إذا لقاعة المؤتمرات الدولية في مدينة نصر أن تستضيف معرض الكتاب العربي الأكبر. كان يفترض بالدورة السابقة أن تذهب إلى هناك ما أدى إلى استياء الناشرين والقراء من ضيق المساحة والفخامة التي لا تناسب احتفال البهجة الشعبية السنوي بالكتاب. لكن الثورة قامت، فلم يقم المعرض ولم يفتتحه الرئيس، وأقامت وزارة الثقافة معرضاً تعويضياً للناشرين المحليين في رمضان الماضي في حي فيصل في الجيزة. كان نجاحه متوسطاً ولم يكن بالتأكيد «دوليَاً». وربما لهذا سقط من ترقيم دورات المعرض. وإذا بالدورة الحالية تحمل رقم 43 أي أنها التالية بعد دورة 2010. ما زالت آثار الثورة تلاحق المعرض فعطّل أعماله يومي 24 و25 تحسباً لـ «عيدها» الأول. كما حضر بعض «أبناء مبارك» ندوات البرنامج اليومي «شهادات التحرير» ليشتبكوا مع المتحدثين من الثوار. غير ذلك، لم تتغير الأساسيات. ما زالت الشكوى قائمة من ارتفاع أسعار كتب «المدى» و«الجمل» وغيرهما من الدور العربية، وما زال الزحام الأكبر عند «سور الأزبكية» حيث الكتب القديمة والمستعملة والنادرة والأسعار المنخفضة.كذلك يتزاحم الناس عند منافذ وزارة الثقافة حيث الكتب المهمة لكن غير المنسقة في العرض لدى «صندوق التنمية الثقافية»، والكتب الغزيرة لدى «هيئة قصورة الثقافة»، والترجمات المتنوعة منخفضة الأسعار لدى «المركز القومي للترجمة»، والعناوين القليلة لدى «مكتبة الإسكندرية».
الدور المصرية ما زالت تتنافس في تقديم جديدها من إنتاجات الكتّاب لا سيما الشبان. «الثورة» تحتل مقدمات واجهات العرض، تطل في كتب الدراسات وكتب المقالات والأدب الساخر والروايات الحديثة والشعر العامي. لكن الروايات والدواوين (التي لا تتحدث عن الثورة) موجودة أيضاً وإن بكثافة أقل في «العين» و«الشروق» و«ميريت» و«مدبولي» وغيرها من الدور المتنافسة في مجال الأدب وعلوم الاجتماع، غير أن الدور المتخصصة في إنتاجات الشباب مثل دار «دوّن» لا تخلي الساحة «للكبار» بل تسبقهم في إقامة حفلات التوقيع لكتابها منذ اليوم الأول. وبين هذا وذاك، يخرج الزائر بانطباعات ثلاثة: الأول أن الخيام الكبيرة منحت مساحات أوسع لدور النشر وحركة الزوار. والثاني أنّ حضور تونس «ضيفة الشرف» ليس محسوساً بعد، الانطباع الثالث أنّ معرض القاهرة للكتاب ما زال على عهده: لا يمكن الاكتفاء منه بزيارة واحدة.