احتضنت جدران المدرسة شعاراته الأولى ضد النظام البحريني. هذه الشعارات نفسها ستتحوّل بعد ثلاثين عاماً إلى تغريدات على تويتر، توثّق آلام شعبه. بين الطفولة واليوم، لم يتغير شيء سوى الأداة. حسم الحقوقي البحريني أمره بتبنّي قضيّة تحرير شعبه، مهما كانت الوسيلة. هكذا، صار الأوّل على تويتر في البحرين، والرابع في المنطقة العربيّة، لناحية متابعة أخبار الثورة. ابن العائلة البحرينية العريقة، ولد عام 1964 في أسرة موالية للسياسة الحاكمة. عندما كان في السادسة عشرة، نشط في العمل الحقوقي المعلن.
تفوّقه الدراسي لم يشفع له، ولم ينقذه من الطرد بسبب نشاطه المعارض. في جامعة «بونا» الهنديّة، نشط رجب وسط الطلاب، رافضاً الانتماء إلى أيّ تيار سياسي. بعد عودته إلى البحرين عام 1988، بدأ العمل الحقوقي المنظّم بشكل سرّي من خلال مراسلته المنظّمات الحقوقية الدولية.
أواخر التسعينيات، وأثناء مشاركته في ورشة عمل حقوقيّة في لندن، قرّر رجب مع مجموعة من زملائه تأسيس «الجمعيّة البحرينيّة لحقوق الإنسان». واصلت الجمعيّة عملها السرّي حتى عام 2001، حين خرجت إلى العلن بعد تصريح من الملك.
يتذكّر الحقوقي البحريني رفيق دربه وأستاذه عبد الهادي الخواجة (1962) المعتقل في سجون البحرين، بتهمة التخطيط لقلب النظام، وكيف أسس معه «مركز البحرين لحقوق الإنسان»، عام 2002. تذبل نبرته قليلاً، وهو يسرّ إلينا بوعدٍ قطعه على نفسه: «الخواجة جزء من ثقافتي. عملنا على ملفات كان يحرّم على أحد تناولها، وخصوصاً امتيازات العائلة الحاكمة، والتمييز على أساس طائفي، وحقوق العمالة الأجنبية. أنا ملتزم تجاه هذا الشخص بأن لا أبقيه في السجن». الضغوط، والقمع، والسجن، لن تجعل المعارضين يتنازلون، بل ستدفعهم إلى العمل أكثر على انتزاع حقوق الناس بطريقة سلميّة «وهذا ما لا يعرفه النظام». عمل رجب جعله تحت الأنظار. زوجته وأولاده مهددون دائماً، وقد فقدوا الإحساس تماماً بالأمان بعد ثورة «14 فبراير». يخبرنا عن أمه التي فقدت السمع، وصارت شبه فاقدة للبصر: «لحسن الحظ ربما. هذا الأمر خفف عليها الكثير من الألم، لأنها لا تعلم ما يحدث. عندما ضربوا منزلنا بالقنابل المسيّلة للدموع، قلنا لها إنّ تلك الأصوات تصلنا من قرية بعيدة».
خلال انتفاضة دوّار اللؤلؤة، صار اسم نبيل رجب مرادفاً للثورة البحرينيّة. وجد نفسه في الصفوف الأماميّة مع الناس. «لم أظهر كثيراً في الإعلام قبل 14 فبراير. لكنّ هذا اليوم فرض عليّ وضعاً جديداً، لم أخطّط له». اعتقال كلّ زملائه الحقوقيين والكثير من الناشطين جعله يكسر حاجز الصمت، ويخرج إلى الصحافة والإعلام للحديث عن ثورة يرفض أن يقال عنها إنّها أجهضت لازدواجية المعايير الغربية والمصالح المشتركة بين دول الخليج والغرب. «ذهبت السلطات في البحرين بعيداً من أجل وقف الثورة، من خلال استدعاء جيوش دول أخرى، لقمع الثوّار. كما أنّ تعقيدات المنطقة وتنوّعها المذهبي جعلا النظام الحاكم ينجح في تصوير الأمر على أنّه ثورة طائفية».
تأخذ الأحداث في بلاده الحصّة الأكبر من حديثه. يسرد لنا الحقوقي والناشط البحريني قصّة من هنا، وأخرى من هناك، تصبّ جميعها عند القمع الحاصل في البحرين. يؤكّد أنّ استدعاء النظام لآلاف المرتزقة من الخارج لم يفلح في وقف الشعب عن التظاهر يومياً في الشارع. تلمع عيناه وهو يخبرنا عن نساء البحرين: «خرجت المرأة في تظاهرات شعبيّة للمرّة الأولى، ما يعدّ سابقةً في بلد محافظ كالبحرين، وخصوصاً أمام إصرار النساء على المشاركة في صنع القرار».
لا يرى رجب أنّ للخليج أيّ خصوصية، في وقت أصبح فيه الجميع يطالبون بحقّ تقرير المصير. الخليج برأيه هو الإقليم الوحيد المتأخر في المنطقة العربيّة. «ما زالت بعض العائلات تحكم بلادنا كأنّها شركات خاصّة. العالم تقدّم كثيراً، ونحن ما زلنا نحكم بشريعة المزرعة».
تتسلل النكتة إلى الحوار مع الحقوقي البحريني من حيث لا ندري. إنّه طبعٌ ورثه عن والده، كما يخبرنا، وصار يستخدمه في الفترة الأخيرة للتخفيف من آلام الناس. «الضربة الأمنية لدرع الجزيرة في البحرين لم تكن بسيطة على المجتمع، الأمر الذي يجعلني أستخدم النكتة بوصفها كوميديا سوداء للتخفيف على من عايشوا قمع النظام المباشر». ويضيف: «جئت إليهم كليبراليّ مستقلّ في مجتمع متديّن. الناس كانوا يموتون، وصرنا نتصيد زلات لسان الحكومة لنجعل منها نكاتاً».
صار نشاط نبيل رجب مقلقاً للحكومة الأميركيّة. لهذا رفضت وزارة خارجيتها لقاءه في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة. طار إلى «بلاد العمّ سام» ليتسلّم جائزة Ion Ratiu Democracy Award، تقديراً لشجاعته خلال المعركة الديموقراطية في البحرين.
رغم كلّ التهديدات التي يتعرّض لها يومياً، يرفض مغادرة البلاد. «هذا ما تريده الدولة. كل الصحافيين المستقلين غادروا، منهم من فصل من عمله، واستهدف بسبب مواقفه. ويتجاوز عدد هؤلاء الستين، ومن بينهم مدوّن ومؤسس صحيفة عُذِّبا حتّى الموت». كلّ شيء في حياة نبيل رجب يصبّ اليوم في مشروعه النضالي. تحوّله إلى نموذج ومثال بالنسبة إلى الشباب الثائر، جعله يتوقّف عن التدخين في السنة الجديدة، وتخصيص أمواله لقضايا الناس، ورفع المعاناة عنهم. يبتسم بتهكّم حين نسأله عن رأيه باختيار المنامة عاصمةً للثقافة العربية 2012. «أكثر دولة انتهكت فيها الحقوق الثقافية هي البحرين. تمّ هدم مساجد تاريخية فقط من أجل إهانة معتقدات بعضهم. كثيرون اعتقلوا وعذّبوا. لهذا يجب مقاطعة هذا النظام على كل الأصعدة، السياسية والاقتصادية والثقافية».
في ظلّ منعه من الظهور في الإعلام المحلي، يتخوّف رجب حالياً من سيطرة الدول الخليجية على الإعلام الاجتماعي (بعد شراء الوليد بن طلال حصّة كبيرة من تويتر). يخشى أن يفقد الإعلام الجديد صدقية راكمها خلال الربيع العربي، على حساب الإعلام الرسمي والتقليدي. «الإعلام الاجتماعي سيقوم بدوره في أي انتخابات. أنا أتواصل عبر تويتر مثلاً مع 150 ألف متابع»، يقول.
يطالب الحقوقي والناشط البحريني باحترام اللعبة الديموقراطية، وتمكين الشعوب من اختيار حكّامها، حتى لو كان اختيارها صعود الإسلاميين إلى السلطة. لكنّه يرفض مسمّى «إسلاميين» نفسه. «هناك مدارس إسلامية مختلفة في إيران والسعودية وتركيا، المجتمعات التي تثور اليوم لن تقبل التطّرف، لأنها عاشت القمع والكبت والاستبداد، ولن تقبل أن يتكرّر ذلك تحت مظلة دينية». رجب اليوم في بيروت بهدف تأسيس «مركز الخليج لحقوق الإنسان». سيعنى هذا المركز بإصدار بيانات وتقارير حقوقية، وسيأخذ على عاتقه تدريب أشخاص على العمل الحقوقي ... عملٌ سخّر نبيل رجب كلّ جهده وحياته له ... واضعاً نصب عينيه أخذ دول الخليج نحو الحريّة.



5 تواريخ

1964
الولادة في المنامة (البحرين)

1988
تخرّج من قسم العلوم السياسيّة
في جامعة «بونا» الهنديّة

2001
أسس «الجمعية البحرينية
لحقوق الإنسان»

2011
فوزه بجائزة «إيون راثيو للديموقراطية» التي يمنحها «مركز ودرو ويلسون
الدولي للباحثين» (واشنطن)

2012
أطلق «مركز الخليج لحقوق الإنسان»
الذي سيضيء على انتهاكات حقوق الإنسان في دول الخليج