في السادس من كانون الثاني (يناير) 2016، دخلت شبكة «نتفليكس» مرحلة جديدة في تجربتها الرائدة في مجال بثّ البرامج والمسلسلات والأفلام عبر الإنترنت التي انطلقت في 2007. صارت الشبكة التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا الأميركية مقرّاً لها متوافرة في 130 دولة، أي في معظم أنحاء العالم، بما فيها الشرق الأوسط، باستثناء الصين وشبه جزيرة القرم وكوريا الشمالية. لكن تاريخ «نتفليكس» لا يعود إلى تسع سنوات، إذ إنّها انطلقت عام 1998 كخدمة أميركية توفّر أقراص الـ«دي في دي» عبر البريد الإلكتروني، قبل البدء ببث المحتوى الترفيهي عبر الشبكة العنكبوتية.تعتبر Netflix إحدى أكثر خدمات البث شعبية في مجالها حول العالم. يصفها بعضهم بأنّها «جنّة» تتضمّن آلاف البرامج التلفزيونية والأفلام والمسلسلات للكبار والصغار، فضلاً عن إنتاجاتها الخاصة التي تحتل مركزاً متقدّماً في نسب المشاهدة مثل House of Cards، و«البرتقالي هو الأسود الجديد»، و«ماركو بولو»، وUnbreakable Kimmy Schmidt، و«ناركوس»، وBloodline، وDaredevil...
في هذا العالم الساحر، لا مكان للإعلانات التجارية، وبإمكان المستخدم إيقاف ما يتابعه مؤقتاً أو إعادة مشاهدة جزء محدّد، إضافة إلى إمكانية تشغيل ميزة التقديم السريع أو إعادة المشاهدة بطريقة سهلة ومريحة، من دون أن ننسى الترجمات المتاحة لـ 21 لغة؛ بينها العربية. لـ«نتفلكس» شراكات واتفاقيات مع شركات إنتاج أميركية كبرى مثل «وورنر بروز» و«والت ديزني» تسمح لها بعرض إنتاجاتها، وفق ما ذكر موقع «هافنغتون بوست».
على صعيد الاستعمال، ينبغي للمستخدم تنزيل تطبيق «نتفليكس» أو الولوج إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالشبكة وتشغيل الخدمة على أي جهاز متصل بالإنترنت. لائحة الأجهزة طويلة، وتشمل الهواتف والألواح الذكية، وتلك الخاصة بألعاب الفيديو كـ«بلاي ستايشن» و«وي» و«أكس بوكس» والكومبيوترات...
من خلال تسجيل العضوية عبر الموقع الإلكتروني أو التطبيق، يُمنح المرء فترة تجربة مجانية لمدّة شهر كامل. وفي حال الرغبة في الاستمتاع بها لمدّة أطول، لا بد من الاختيار بين ثلاثة احتمالات مدفوعة: الأولى أساسية (basic) تتيح المشاهدة بجودة عادية عبر جهاز واحد فقط لقاء 7.99 دولارات شهرياً. الثانية عادية (standard) تكلّف 9.99 دولارات وتقدّم صورة عالية الجودة (HD) من خلال شاشتين في الوقت نفسه، بينما تمنح الثالثة (ممتازة ــ premium) المشاهد صورة فائقة الدقّة (ultra HD) عبر أربع شاشات، مقابل مبلغ 11.99 دولاراً. مقارنة بالكمية الهائلة من المواد التي توفّرها Netflix للجمهور، تبدو هذه المبالغ زهيدة. ورغم التأكيدات حول نيّة الشركة رفع تعرفة خدماتها خلال الفترة المقبلة، استبعدت شركة USB للخدمات المالية أن يؤثّر ذلك جوهرياً على عدد المستخدمين نظراً إلى «جودة المنتجات وجمال التجربة التي يتمتعون بها».
يبلغ الحد الأدنى لسرعة الاتصال المطلوبة للمشاهدة 0.5 Mb في الثانية، لكن بهدف الحصول على جودة أفضل قد يتطلب الأمر اتصالاً أسرع. عبر موقعها الإلكتروني، تقترح «نتفليكس» سرعة 3.0 Mb للمشاهدة العادية، و5.0 Mb للعالية الجودة، و25Mb للفائقة الجودة. تجدر الإشارة إلى أنّ جزءاً كبيراً من المحتوى الترفيهي على «نتفليكس» متوافر بدقة عالية مع صوت محيطDolby Digital Plus 5.1، فيما يتوافر بعضها الآخر بجودة Ultra HD 4K، على حد تعبير الشركة.
ثلاثة خيارات للاشتراك المدفوع، لا تتعدّى كلفة أغلاها الـ 12 دولاراً

في بلد مثل لبنان، نقف أمام أسئلة ملحة عند التسجيل للحصول على هذه الخدمة أو حتى التفكير في الأمر. بطء الإنترنت وعدم مواكبة هذا القطاع للتطوّرات الحاصلة في العالم، والمشاكل الكبيرة التي يعانيها؛ وآخرها فضيحة الإنترنت غير الشرعي، كلّها عوامل تُبرز إلى الواجهة هواجس حول إمكانية استمتاع المستخدم بالمحتوى بجودته الحقيقية، وحول مصروف الداتا. بعض اللبنانيين أو المقيمين في لبنان ممن قرّروا خوض هذه التجربة يؤكدون أنّه في حال التسجيل في خدمة «أوجيرو» للإنترنت السريع (DSL) بسرعة 2Mbps التي توفّر مصروف داتا غير محدود لجهة التحميل والتنزيل (Unlimited)، يكون الوضع مناسباً إلى حد بعيد لمشاهدة الفيديوات والمسلسلات والأفلام على «نتفليكس» بدقة عالية، علماً بأنّ سرعة هذه الخدمة تستقر عند حدود 1.61 Mpbs، وتبلغ كلفتها الشهرية 75 ألف ليرة لبنانية، فيما يصل إجمالي المبلغ الذي يدفعه مشتركو «نتفليكس» شهرياً إلى حوالى 90 ألف ليرة لبنانية (تعرفة الإنترنت وتعرفة «نتفليكس»).
بالنسبة إلى المصروف، المحتوى المتوافر عبر الشبكة الأميركية يستخدم 1 GB في الساعة في حالة المشاهدة العادية الدقة، وحتى 3 GB لدى المشاهدة العالية الدقة، من دون أن تتعدى حدود الـ 7 GB لدى المشاهدة الفائقة الدقة.
هكذا، يكون الأمر مكلفاً بالنسبة إلى المشتركين في خدمة DSL الأساسية من «أوجيرو»، أي التي تحدد مصروف الداتا بـ 40 GB مع سرعة 2Mbps وتكلف 24 ألف ليرة لبنانية. فإذا اختار أي من هؤلاء مثلاً الاشتراك في خدمة المشاهدة العالية الدقّة، واستخدم «نتفليكس» ساعة واحدة يومياً فقط، يصل مجموع مصروفه إلى 90 GB شهرياً. ومن المعلوم أنّه في حال تخطي حدود المصروف المتاح من قبل «أوجيرو» للاشتراك، يدفع المشترك ألفي ليرة لبنانية عن كل 1 GB إضافية!
لا شكّ في أنّ لهذا التمدّد الواسع والتطوّر السريع لـ«نتفليكس» آثاراً جسيمة على صناعة الترفيه وسوق الإعلانات التلفزيونية. أظهرت دراسة أجراها مايكل نايثونسون من شركة MoffettNathanson لأبحاث الإعلام الشهر الماضي أنّ «نتفليكس» تسبّبت بـ50 في المئة من التراجع الذي عانت منه التلفزيونات في الولايات المتحدة خلال عام 2015. وأشارت الدراسة نفسها إلى أنّ نسبة التراجع في مشاهدة التلفزيونات بلغت 3 في المئة العام الماضي، فيما توقّع نايثونسون استمرار ارتفاع ساعات المشاهدة عبر «نتفليكس» حتى تبلغ 14 في المئة من إجمالي ساعات المشاهدة التلفزيونية بحلول 2020.
في هذا السياق، أوضح نايثونسون أنّ الشبكة تعتبر حالياً مصدر «أوجاع للصناعة التلفزيونية التقليدية، إلا أنّها لن تكون بالضرورة سبباً لوفاتها». من جهته، حذّر آلن ولك في مقال نشره في صحيفة الـ«غارديان» البريطانية في شباط (فبراير) 2015 من التأثيرات السلبية البالغة التي ألحقها «نتفليكس» وخدمات أخرى توفّر المشاهدة عند الطلب بقطاع الإعلانات في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، لأنّها عوّدت جيلاً كاملاً على الاستمتاع بالمحتوى الترفيهي من دون فقرات إعلانية. وشدّد المستشار في قطاع الأعمال ومستقبل التلفزيون على أنّه في ظل استنزاف هذه الشركات لإيرادات الإعلانات التلفزيونية، «أصبحنا بحاجة ملحّة إلى خلق نموذج جديد للعمل بسرعة على تمويل البرامج التلفزيونية المختلفة مستقبلاً، وتأمين استمرارية هذه الصناعة».
أمام الواقع الراهن في لبنان، لا يمكن توقّع نتائج مباشرة لوصول «نتفليكس» إليه على صعيد صناعة الترفيه والإعلام وسوق الإعلانات، وخصوصاً أنّ هذه الخاصية الممتعة ستكون على الأرجح محصورة بطبقة معيّنة من اللبنانيين نظراً إلى كلفتها المرتفعة نسبياً، وفي بلد يغرق مواطنوه بمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية.