ماذا تفعل كاتبة سعودية حين يسرق كتابها رجل دين معروف؟ هل تلتزم الصمت بأمر ملكي يمنع التعرض لرجال الدين تحت طائلة العقوبة، أو بأمر من مجتمع استغل فيه عائض القرني مكانته الدينية والاعلامية، وجماهيريته الكبيرة لدفع تلامذته ومريديه إلى مهاجمة الكاتبة سلوى العضيدان في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي؟. حين وقّع أحد رواد ما عُرف بـ«تيار الصحوة» الشيخ عائض القرني (الصورة في الإطار أدناه) كتابه «لا تيأس» (دار الحضارة للنشر) في «معرض الرياض الدولي للكتاب 2011»، لم يتوقع كثيرون أن يخرج أحد ويقول «الشيخ سرقني».
لكن هذا ما فعلته سلوى العضيدان التي رفعت دعوى في وزارة الثقافة والإعلام بعد رفضها تسوية كان قد عرضها عليها «الداعية، والشيخ، والدكتور، والإعلامي، والشاعر، والكاتب» بعد إنكاره الأول لعملية السطو وتعريض سمعتها للتشويه. لكنّها صمّمت على رفعت الدعوى التي اتهمته فيها بسرقة حقوقها الفكرية واقتباسه مواد من كتابها «هكذا هزموا اليأس» (طبعة خاصة ـــ 2007). استمرت هذه القضية ما يقارب عاماً كاملاً، كان خلاله عائض القرني ينكر فعل السطو على كتاب العضيدان. حرب بدأها بكتابة آية قرآنية على تويتر هي «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا». هذه الآية كانت كفيلة بخروج مؤديه وإطلاق صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهات للدفاع عنه، واتهام الكاتبة بالسرقة ورغبتها في تسلّق سلّم الشهرة على أكتاف الداعية المعروف.
القضية انتهت فصولها بتاريخ 24 كانون الثاني (يناير) حين أصدرت وزارة الثقافة السعودية حكمها في القضية وقضت بتغريم القرني مبلغ 30 ألف ريال للوزارة، وتعويض المؤلفة السعودية بمبلغ 300 ألف ريال. الحكم شمل أيضاً سحب كتاب القرني «لا تيأس» من الأسواق ومنعه من التداول، ووضعه على قائمة المنع من دخول المملكة. وكان الداعية السعودي قد أصدر بياناً قبل صدور الحكم يقول فيه إن «ابن تيمية كان ينقل العديد من صفحات كتبه عن علماء من دون ذكر المصادر».
صاحب كتاب «اشكر حسادك» (دار الحضارة للنشر ـــ 2012) حاول الظهور في هذا البيان المتأخر بمظهر الداعية السمح. هكذا عدّد بعض الأمثلة التي تشير إلى اقتباس كبار الكتاب والشعراء من بعضهم، متناولاً تاريخه الشخصي «في خدمة العلم»، ومطالباً بعدم التعرّض للعضيدان! طبعاً، هذا البيان لم يصدر عندما كانت الكاتبة تتعرّض لحملة مسعورة من مريدي القرني في كل مواقع الانترنت التي تناولت القضية. وبعد اعتصامها أمام وزارة الاعلام والثقافة لتسريع صدور الحكم، صوِّرت الكاتبة في المواقع الالكترونية وبعض الوسائل الإعلامية كمجرمة تعدّت على مقام الداعية الديني المعروف. وقد نشرت الكاتبة منذ أيام رسالة توجّهت بها إلى القرني قائلةً: «أتعجب من مجتمع يغضب لأن امراة كشفت مقدمة شعرها، ولا يغضب حين يتهم عالم عظيم كابن تيمية»، مستفيضة في الحملة والهجوم الشرس الذي تعرّضت له هي وعائلتها بسبب تجرؤها على المطالبة بحقّها.
القضية التي انتهت فصولها أخيراً، لا تزال تثير جدلاً كبيراً بين مؤيد غير مصدّق لفعلة القرني، وبين معارض وساخر منه، كأن قال أحدهم «عايض، حاوِل بكل السبل أن تخرج من القضية. هناك من سيبرّر لك السرقة لأنّك رجل دين «لا تيأس»!».



تابع

دعوى ثانية



حالما طويت فصول المعركة بين سلوى العضيدان والشيخ عائض القرني، استعاد كثيرون تصريحات سمير فراج الذي أعلن أنّه في صدد رفع دعوى قضائية على الداعية السعودي.. إذ اتهم الشاعر المصري القرني بسرقة كتابه «شعراء قتلهم شعرهم» الصادر عن مكتبة «مدبولي» عام 1997، وإصداره تحت عنوان «قصائد قتلت أصحابها». وتابع أنّه اكتشف هذه السرقة منذ ستّ سنوات، لكنّه لم يعرف كيفية استعادة حقّه. إلا أنّ قضية سلوى العضيدان شجّعته على رفع دعوى أمام المحاكم السعودية. وبذلك، تكون الدعوى الثانية الي ترفع على الشيخ المعروف.



round up

الربيع الأعرج




بعد حرق صالات النادي الأدبي في الجوف (شمال غرب المملكة) وتهديد رئيس النادي بالقتل بسبب مشاركة الشاعرة حليمة المظفر في أحد أنشطة النادي (ك2/ يناير 2009 وشباط/ فبراير2010)، أمل مثقفو السعودية خيراً بأوّل انتخابات تشهدها المجالس الأدبية في المملكة بعدما كانت المناصب تقوم على التعيين من قبل وزارة الإعلام والثقافة.
لقد أملوا خيراً رغم سيطرة الإسلاميين على هذه النوادي في بعض المدن الرئيسية مثل نادي مكة الأدبي، ونادي الجوف، ونادي مدينة جدة والمنطقة الشرقية. وفي حالة وصفت بـ«الربيع الثقافي»، دخلت المرأة مجالس الأندية الأدبية من خلال الترشح والتصويت للمرة الأولى في تاريخ هذه الأندية عام 2011. خطوة تفاءل بها المثقفون رغم إثارتها لغطاً تعدّى الساحة الثقافية إلى الساحة الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، مصوّراً الصراع الأزلي بين الإسلاميين والليبراليين في المملكة. لكنّ حصول المثقفين على جمعية عمومية ولائحة وانتخابات قد يجعل الأمور تتراجع أو تتقدم على الصعيد الثقافي، خصوصاً مع انفتاح التيار السلفي على العمل في الحقل الثقافي، ما قد يؤدي إلى تراجع كبير في الحياة الثقافية في بعض مناطق المملكة.
في اتصال مع «الأخبار»، يرفض الإعلامي السعودي عبد الله الدحيلان الاتكاء على فزاعة التيارات، وتحديداً «التيارات الإسلاموية والليبرالية، والترويج بأنّها سبب الصراع في الانتخابات الأدبية. التيارات في السعودية تحمل مسمّيات وهمية. مثلاً، لو قلنا تياراً ليبرالياً، فنحن نظلم الليبرالية. لا نرى له مشروعاً سياسياً يطالب بإرساء الديموقراطية، وإنشاء المؤسسات وبناء المجتمع المدني. كل ما نرى من هؤلاء حالة تحرر من القيود لا أكثر. هو تيار منفتح مقابل تيار تقليدي منغلق».
لكن يبدو أنّ «الربيع العربي» لم يأتِ برياح التغيير إلى الساحة الثقافية السعودية رغم إجراء العملية الانتخابية الأولى في تاريخ الأندية الأدبية. علماً أنّ الفوز كان أحياناًَ عن طريق التزوير مثلما حصل في نادي المنطقة الشرقية الأدبي الذي سيطر عليه محمد بودي المحسوب على التيار الإسلامي. إذ ترافق فوزه مع اتهامات متبادلة بين بودي وبعض مثقفي المنطقة، ما حذا بوزارة الثقافة والإعلام إلى إرسال لجنة تحقيق قانونية في التجاوزات الإدارية والمالية التي حصلت في النادي. لكنّ محمد بودي طردها، مما جعل اللجنة تقفل النادي بالشمع الأحمر (29/12/2011) في سابقة هي الأولى في تاريخ النوادي الأدبية في السعودية التي أنشئت قبل أربعين سنة. إذاً، إنّها انتخابات سميت ديموقراطية في بلد شمولي يضع اللوائح والقوانين لها لتسير بطريقة عرجاء.
مريم...