كيف لنا أن نحب عن بُعد؟ أن يجلس العاشق خلف شاشة الكترونية ليكتب رسالة حب، ستصل إلى المعشوق بكبسة زر؟ الحب الافتراضي، نوع طارىء على العشق، يعيشه الناس في كل مكان. لم يعد الاختلاف في اللغة عائقاً أمام الحب. الكل متساوٍ أمام الشاشة. كلّ ما عليك فعله هو إنشاء صفحة على الإنترنت، لتتحوّل الصداقات على جدران فايسبوك إلى ساحات حبّ ملتهب، لا يعرف الحدود، ولا المسافات، ولا الوقت. حول قصص العشق الافتراضيّة، يتمحور كتاب جاهدة وهبه «الأزرق والهدهد ـــ عشق في الفايسبوك» (دار الساقي ــــ 2011).
تبدأ قصة الحب التي ترويها المطربة اللبنانية في غرف الموقع الاجتماعي المعروف. «كيف لكائنات افتراضية أن تصير عاشقة؟ كيف لقدرٍ رقميّ أن يرتّب لنا موعداً أسطورياً مع الحبّ في الجهة الأقصى من العالم؟». تتصدّر هذه التساؤلات غلاف الكتاب الذي يعدّ حواريّة على جدار فايسبوك بين «الهدهد الفينيقي من جبل لبنان»، و«الطارقي الأزرق من أقصى المغرب».
«ليلة غودو»، و«ليلة العنقاء»، و«ليلة التوليب» عناوين لرسائل حب ملتهبة بين الهدهد والطارقي. حمّلت وهبه الرسائل مقاطع لشعراء أجانب وعرب من ألدا ميريني إلى أنسي الحاج، ومحمود درويش، وابن الفارض، والحلاج، كما طعّمت الرسائل بلوحات فنية لغوستاف كليمت، ورينيه ماغريت، أرفقتها بنوافذ على أغنيات لجاهدة وأخريات.
الكتاب مصمّم على هيئة صفحة فايسبوك حقيقية يجري من خلالها تبادل الرسائل كل ليلة. تقول الهدهد: «ليتني بين يديك أميري أعدّ الموائد شهية لقلبك/ الخمر مسكراً لروحك/ أَعدّني لوليمة جوعك/ كيف أهيل حكاية شهرزادك/ كيف أُعرّيني لنهم أسئلتك؟» فيجيب الطارقي الذي لم يعد له مهنة سوى التيه في الحب: «كان لا بدّ لي أن أعيد تشكيل جسدي ليصير لصبوتك شرفة/ لأحلامك منزلاً ولجبينك قرميداً/ كان لا بد أن أنقشكِ على بوابة دنياي/ أسوق عرق تعبي إلى جبين أيامك». وفي مقطع آخر من بوحه، يقول: «لست أجيد اللعب بالكلمات، رسبت في درس الشعر والتصوف، وما نجحت أميرتي إلا في درس الأنوثة والجنون والتطرّف عن المسافة بين بصرك وعيني اسأليني، كيف أضمّك من بعيدك الآن بين ذراعي إن كنت تحبينني، سيدتي ما أتعسني ما أتعسك، ما أتعس العشاق في هذا الفايسبوك».
كأن القارئ يتلصّص على قصة حب سرية من هذا العصر. قصة حب عصرية، لكنّها تستحضر قصص «ألف ليلة وليلة»، ومجنون ليلى، وجميل بثينة. قصة لن يعرف أحد كيف ستنتهي وما إذا كان اللقاء سيتم فعلاً خارج ذلك العالم الافتراضي. المهمّ أنّ الجميع بات يهرب من واقعه بالشعر والغناء والغزل الافتراضي.