حملت تقارير الصحف ووكالات الأنباء الدولية عبارات من قبيل «أمل وسط الركام»
بالتأكيد، لم يتم التحرير من دون ثمن. أرواح سقطت على الطريق الصحراوي الشاق، إضافةً إلى الدمار الذي طال الحجر. مع الاقتراب من القسم الأثري، طُرحَ السؤال المخيف: «هل سنجد الركام بانتظارنا؟». ما يعرفه الجميع أنّ داعش قام سابقاً بتفجير معبدي بعل شمين وبل، إضافةً إلى تدمير قوس النصر الشهير وعدد من المدافن البرجية. المفاجأة السارّة أنّ قسماً كبيراً من المدينة الأثرية بقي سليماً، كساحة الأغورا والمسرح الروماني. القلعة على شكلها، رغم انهيار بعض الأجزاء. الصحافي ماهر المونس وثّق ما شاهده بعينيه على حسابه الفايسبوكي: «الدمار جزئي في المدينة الأثرية (حوالى 20%) واقتصر على معبد بل، مدمر بنسبة 75% تقريباً. قوس النصر مدمّر بنسبة 90% تقريباً. المدافن التدمرية مدمّرة بنسبة 80% تقريباً. أما بالنسبة إلى مدرج تدمر، فهو على حاله، وكذلك الحال بالنسبة لقلعة زنوبيا وباقي الأوابد والعواميد التاريخية التي تجاوز عمرها 2000 عام. المدينة الأثرية اليوم كانت مليئة بالعبوات والألغام والتفخيخ عالي الاحتراف، وانفجرت عدة ألغام من دون أن يصاب أحد بأذى، ولا يزال العمل جارياً حتى اللحظة لتفكيك الألغام والعبوات الناسفة. هيئة مدينة تدمر، وشكلها المحفور في الذاكرة ما زالا تقريباً على حالهما، رغم حالات التفجير الذي أحدثها "تنظيم الدولة الإسلامية". بالنسبة إلى القلعة التي هي أقل عمراً تاريخياً، فقد دمّر الجسر الواصل إليها، وأجزاء من السور الخارجي، بالإضافة الى أضرار متفاوتة على أسوارها وجدرانها، لكنها محافظة على شكها».
الأخبار السيئة جاءت من المتحف الوطني. لقد تعرّض لعمليات نهب واسعة من قبل مسلحي داعش، الذين دمّروا قبل فرارهم من المدينة جزءاً ملموساً من معروضات المتحف، وفق ما أوردت وكالة «نوفوستي» الروسيّة. هكذا، حملت تقارير الصحف ووكالات الأنباء الدولية عبارات من قبيل «أمل وسط الركام» و«تنفس الصعداء» و«مفاجأة سارّة». الإعلام السوري اعتبر التحرير انتصاراً عسكرياً وحضارياً ساحقاً نيابةً عن العالم كلّه.
الشق السكني الذي شغله 70 ألف شخص قبل الحرب، كان أقل حظاً. وكالة الصحافة الفرنسيّة أوضحت أنّ المعارك الشرسة أدّت إلى انهيار بعض المباني فأصبحت ركاماً. واجهات أخرى تضرّرت، حتى بدت الشوارع أشبه بمدينة أشباح، مع خلوها من المدنيين الذين غادروها في الأيام الأخيرة، هرباً من القصف والغارات الجوية.
ولكن، ماذا عن الترميم؟ مأمون عبد الكريم كشف لـ «غارديان» أنّه في صدد التوجّه إلى تدمر خلال الأيام المقبلة لتقييم الأضرار، متعهداً بإعادة بناء المعابد والقوس. وأضاف: «سنتحدّى الإرهاب الدولي، بأنّه مهما فعلتم لن تزيلوا تاريخنا. لن نقف مكتوفي الأيدي، ونكتفي بالبكاء على الأطلال». عبد الكريم يعوّل كثيراً على مساعدة اليونيسكو، علماً أنّ سوريا تمتلك عدداً من أكفأ الخبراء والآثاريين. اليونيسكو أبدت في بيان مديرتها استعداداً لزيارة تدمر برفقة المسؤولين السوريين «بمجرّد سماح الظروف الأمنية، لتقييم الأضرار وحماية تراث تدمر الذي لا يقدّر بثمن»، مشددةً على أنّ التدمير المتعمّد للتراث جريمة حرب، لا يجب أن تمرّ من دون عقاب. أيضاً، ناقشت بوكوفا المسألة مع الرئيس الروسي بوتين في مكالمة هاتفية. المتحدث باسم الرئيس الروسي دميتري بيسكوف أكّد أنّ الطرفين «اتفقا على أن تتخذ "اليونسكو" وروسيا وسوريا، وفي القريب، جميع الخطوات اللازمة لتقييم الخسائر التي ألحقها الإرهابيون بتدمر، على أن تضع "اليونسكو" خطة شاملة لترميم ما يمكن إصلاحه من معالم المدينة السورية التاريخية».