الدار البيضاء | المملكة العربية السعودية ضيف ثقيل على معرض دولي للكتاب. خال كثيرون أنّ دعوة السعودية إلى «المعرض الدولي للكتاب والنشر» في الدار البيضاء، الذي يقام في «قاعة المعارض»، جاءت نتيجة صعود «حزب العدالة والتنمية» المغربي. لكنّ قرار حلول السعودية ضيفة شرف على الدورة 18 هذا العام، جاء قبل أشهر من الانتخابات النيابية التي أوصلت الإسلاميين إلى الحكم. طبعاً، فالسعودية لم تأت إلى معرض الكتاب الذي يُختتم غداً لتقدّم كتّابها الحقيقيين الذين يحاولون منذ سنوات وضع المملكة على سكة الحداثة.
وإذا أزلنا يوسف المحيميد من لائحة الضيوف السعوديين، فلن نجد أي اسم مهمّ يذكر. لم يكرَّم عبد الرحمن منيف، ولم يقدم الشعراء والروائيون الجدد، ولا تجارب الأندية الأدبية ولا الإنتاجات الفكرية السعودية المعاصرة. باختصار، لقد تمت دعوة أعضاء من مجلس الشورى السعودي، وكاتبين مجهولين على خريطة الثقافة العربية. واكتفى السعوديون بعرض مجسم للحرم المكي، وتخصيص فضاء لرسوم الأطفال وتوزيع القهوة والكتب الدينية مجاناً على ضيوف المعرض الذي يرفع شعار «وقت للقراءة ... وقت للحياة».
حضور السعوديين هذا العام لم يختلف عن السنوات الماضية، اللهم إلا في اتساع رقعة المساحة المخصصة لهم في فضاء العرض. هذا الفضاء شكّل النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى الكثير من الناشرين. «جمعية الناشرين المغاربة» قرّرت مقاطعة المعرض الذي رفع هذه السنة من تسعيرة الفضاءات، بينما تذمّرت دور عربية من الكلفة العالية لأجنحة العرض. أحد الناشرين السوريين قال لـ«الأخبار»: «هذه السنة، ذبحونا بالأسعار!». كلمات الناشر التلقائية لها ما يبررها، فقد تضاعف سعر المتر المربع، بينما فضل ناشرون عرب آخرون عدم الحضور بكل بساطة.
مع ذلك، فدورة هذه السنة لم تكن كلّها سلبيات. لقد شهدت إقبالاً على البرنامج المرافق للمعرض، مثل الندوات، ضاهى ما شهدته الدورتان الماضيتان. امتلأت القاعات في بعض الندوات كالندوة الافتتاحية التي قدمها الصحافي والوزير السابق للإعلام محمد العربي المساري، والندوة التكريمية لشمعون ليفي أحد أبرز رموز اليسار المغربي الذي رحل عنّا العام الماضي. فضاءات أخرى غير رسمية من ضيوف المعرض كـ«مجلس الجالية المغربية في الخارج» كان له نشاط مهم وأقام العديد من الندوات القيمة حول الربيع العربي. هكذا استضاف المجلس: الصحافي الفرنسي الشهير مدير تحرير صحيفة «لوموند» السابق إدوي بلينيل، والكاتب الفلسطيني إلياس صنبر، والناشر والباحث السوري فاروق مردم بك الذين تحدثوا عن الربيع العربي وفلسطين، بينما اجتمع كتّاب مغاربة في فضاء المجلس ليتحدثوا عن تجاربهم مع المنع والرقابة التي فجّرتها فضيحة منع رواية الكاتب المغربي الراحل محمد لفتح (المعركة الأخيرة للقبطان نعمت). هكذا تحدث عبد اللطيف اللعبي، وعبد الله طايع، وآخرون عن تجاربهم مع المنع بلغة نقدية راديكالية جلبت نسائم الحرية على فضاء المعرض الرسمي. وهو ما حدث أيضاً خلال ندوة أخرى تناولت نشر المجلات، تحدث فيها الصحافي والمثقف ادريس كسيكس عن قيود تفرضها السلطة على إصدار المجلات في المغرب. واستضاف المعرض كتّاباً من جنسيات مختلفة، فيما فازت كارولين مارتينيز هذه السنة بـ«غونكور طلاب الثانويات».
شاركت في الحدث 700 دار، ثلثها نابت عنها دور أخرى أو مكتبيون، بينما شهد المعرض تقديم «جائزة الأركانة العالمية للشعر» التي ينظمها «بيت الشعر» في المغرب، وفازت بها الشاعرة الأميركية مارلين هاكر. وسلمتها اللجنة التي ترأستها الناشرة والصحافية البريطانية مارغريت أوبانك خلال لقاء في فضاء المعرض. أوبانك هي الأخرى حصلت على وسام ملكي خلال الافتتاح لما قدمته للثقافة العربية من خدمات وفق توصيف وزارة الثقافة المغربية. كما حصل الشاعر المغربي ادريس الملياني على وسام هو الآخر. وأعلن خلال الدورة عن الفائزين بـ«جائزة المغرب للكتاب» (راجع الكادر).
انتهت الدورة 18 من المعرض من دون أن تجيب عن السؤال الأهم: ما قد تمنحه هذه المناسبة لتطوير الثقافة وخصوصاً مجال النشر في المغرب؟ في بلد لا يخصّص إلا الفتات من ميزانياته السنوية للثقافة، يظل الإنتاج في مختلف صنوف الإبداع والمعرفة محل تساؤل. لم يخصص المعرض أي يوم للاختصاصيين والعاملين في مجال النشر والتوزيع مقابل تنظيم ندوات جاء بعضها تكراراً لما شاهدناه في دورات سابقة. العديد من الأسماء أصبحت ضيوفاً رسمية على المعرض، بينما أحس بعض الكتّاب الشباب بالغبن وهم يتجولون في أروقة المعرض من دون أن يعيرهم أحد انتباهاً. بعضهم حاز جوائز «بيت الشعر» و«اتحاد كتاب المغرب»، لكنهم لم يجدوا لهم مكاناً في معرض الدار البيضاء ... فلا مكان في معرض الكتاب المغربي إلا لـ«تجار الكتاب».



جائزة المغرب للكتاب


في مجال الدراسات، نال الجائزة رشيد بنحدو. وفي العلوم الإنسانية، نالها مناصفةً إدريس شحو وأحمد الصادقي. وفي الترجمة، مُنحت الجائزة مناصفةً لعز الدين الخطابي وحسن الطالب. وفي السرديات، منحت الجائزة مناصفة «الإبحار إلى إيثاكا» لعمر القاضي، و«أصوات لم أسمعها» لمحمد زهير. وفي الشعر، منحت الجائزة «أذى كالحب» لحسن نجمي (الصورة).