إسلامي بميول اشتراكية. هكذا يُعرِّف الكاتب السعودي نوّاف القديمي (1976) عن نفسه، في وقت تثير فيه أُطروحاته الفكرية الكثير من الجدل والانقسام. في كتابه الجديد «يوميات الثورة ـــــ من ميدان التحرير إلى سيدي بوزيد، حتى ساحة التغيير» (الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر)، سجّل يومياته من قلب ميادين الثورات، بين مصر وتونس واليمن والمغرب. جال بين تلك الميادين الثائرة، ليسجّل مشاهداته عن كثب. يكتب مخاطباً محمد البوعزيزي: «هل تعرف ما فعل اللهيب المشتعل في كرامتك بوطننا العربي؟».
خلال الأشهر الماضية، جال القديمي على الساحات المشتعلة، فشهد على ولادة «جمهوريّة التحرير»، وسط الميدان في القاهرة، وسار خلف شباب «20 فبراير» في المغرب وهم ينادون «المواطن لا يهان ... والبوعزيزي هو البرهان»، كما كان في صنعاء ليلة اشتعال فتيل الثورة. يسجّل القديمي في كتابه أنّ تونس كانت لحظة انطلاقة الربيع العربي التي أعطت الأمل بتفجير الثورة المصرية. أمّا ثورة اليمن، فكانت مفاجأة بسبب طبيعة البلد المسلّح والقبلي على حد تعبيره: «مجرد التفكير بثورة سلمية في اليمن كان من أشباه المستحيل. لهذا كانت الثورة هناك مفاجأة لناحية سلميّتها وحضاريّتها ومدنيّتها»، يقول. أمّا الثورة البحرينيّة، فهي امتداد طبيعي لروحية الثورات العربية التي ظهرت معالمها على هيئة بيانات إصلاحيّة، وتحوّلات كبيرة في الموقف من الديموقراطية. وهي تحوّلات طاولت السعوديّة بعد توقيع حوالى عشرة آلاف شخص على بيان «نحو دولة الحقوق والمؤسسات» وكان جلّهم من الإسلاميين.
لكنّ الصحافي والناشر السعودي يرى أنّ انعكاس الربيع العربي على السعودية، سينحصر في المستوى الفكري حالياً لأنّ «المستويين السياسي والاجتماعي غير مهيأين للثورة بسبب طبيعة المملكة الجيو سياسية، وعدم ارتباط المناطق فيها ارتباطاً تاريخياً. فكرة الثورة مرعبة في هذا المجتمع لأنّها قد تعني التفكّك».
الباحث المهتم بدراسة الحركة الإسلامية في السعودية يرى أنّ المعوقات أمام التغيير الديموقراطي في المملكة ليست سياسيةً فقط، بل ثقافية أيضاً يتحكّم بها المجتمع بممانعته الثقافية والقبليّة. يناقش القديمي هذه المسألة بعمق في كتابه «أشواق الحرية ... مقاربة للموقف السلفي من الديموقراطية» (المركز الثقافي العربي). في هذا الكتاب، فكّك مناطق الرفض لفكرة الديموقراطية داخل المجتمع السعودي، ما أدّى إلى منعه في «معرض الرياض الدولي» لعام 2009، ووسمه بمسمّى «البيان الشيوعي». يسلّط القديمي الضوء هنا على الليبراليّة السعوديّة «المشوّهة» التي «تكرّس الوضع القائم، وترفض المشاركة السياسية في مجتمع متديّن مهدّد بسلطة الإسلاميين».
هذه الأفكار جعلت علاقة القديمي بالسلفيين مضطربة. أوقف برنامجه على قناة «المجد» السعوديّة، بعدما اشتكى المتشددون من ظهوره كمقدّم برامج. في هذا البرنامج، استضاف مجموعةً من أهمّ المثقّفين والمفكرين العرب أمثال عبد الوهاب المسيري، ومحمد سليم العوا، وفهمي هويدي. كما أدار بين عامي 1999 و2005 ندوة فكريّة مع مجموعة من المثقفين السعوديين راوحت توجهاتهم الفكريّة بين أقصى السلفية وأقصى الليبراليّة. خلال تلك التجربة، نجح خلال إدارة حلقات نقاش في نقد التيار الإسلامي، والصحوة الإسلامية، وأصول المشاركة السياسية، وحقوق المرأة: «كنّا نطرح تلك القضايا قبل هجمات أيلول (سبتمبر)، وكانت مثيرة للجدل في ذلك الحين. أمّا اليوم فصارت تطرح بصورة اعتيادية في المجتمع المحلّي». يمكن القول إذاً إنّ عمله «يوميات الثورة» استكمال لسجالاته القديمة/ الجديدة حول الديموقراطية والحرية والهوية والنهضة.