بدأت رحلة فنان الفيديو والمصوّر روي سماحة (1978) إلى مصر بناء على طلب شركة «لايكا» للسير على خطى الرحالة الاسكتلندي جايمس بروس الذي جال مصر في القرن الثامن عشر وإعادة توثيق رحلته. يومها، دعا سماحة صديقه المخرج وفنان الفيديو غيث الأمين لمرافقته في الرحلة التي كانت ستنطلق في الأول من شباط (فبراير) 2011. لكن مع إندلاع الثورة المصرية، قرّر سماحة والأمين تقريب موعد السفر، فوصلا إلى القاهرة في 28 كانون الثاني (يناير). حين عادا إلى إلى بيروت في الرابع من شباط (فبراير)، جمعا المواد التي صوّراها لتشكّل مادة فيديو «شرّ شفاف» (27 د) الذي عُرض أخيراً في فضاء «أشكال ألوان» في بيروت.
ينطلق الفيديو من المطار لغاية وصول الاثنين إلى القاهرة، ونزولهما في فنادق عدة، ثم مرورهما على ساحة التحرير، والأهرامات وغيرهما. منذ البداية، اختار سماحة أن يختفي جسدياً من الصورة بعدما رأيناه أمام الكاميرا ليأخذ مكانه خلفها، ويتحول إلى مرافق غيث الأمين في رحلة استكشافه. يتحوّل صوته ــ الراوي لقصّة الفيديو ــ إلى ذلك الصوت الإلكترونيّ الذي اعتدناه صوتاً لمجموعة «أنونيموس» التي يظهر شعارها في أولى لقطات تحوُّل الصوت في الفيديو. قد يكون سماحة أراد توجيه تحية إلى تلك المجموعة التي أعطت زخماً للثورات العربيّة بفضل سلاحها الإلكترونيّ، خصوصاً في تونس ومصر. لكنّ الصوت الإلكترونيّ المعولم الذي تتبناه Anonymous ويجرّدها من هويتها، يبدو مستغرباً توظيفه في الفيديو، خصوصاً أنّ سماحة يستعمل لغة صوريّة وصوتيّة شخصية جداً وسط الثورة المصريّة، وبعيدة عن هذه العولمة. يبقى خيار الصوت الإلكترونيّ قابلاً للنقاش فنياً، بينما لا نجد مبرراً لإستعمال اللغة الانكليزيّة في فيديو لمخرج لبنانيّ يتناول الثورة المصريّة. علماً أنّه حتى «أنونيموس» بدأت تعتمد العربيّة في توجّهها إلى العالم العربيّ.
وصل الرفيقان إلى القاهرة، وتعدلت المشاريع. لم تعد الرحلة تهدف إلى السير على خطى جايمس بروس لكنها حافظت على طابعها التوثيقيّ/ السياحيّ ضمن الثورة. بأسلوب سماحة المعتاد، تتمازج الصور، واحدة فوق الأخرى، بين مشاهد من تظاهرات الثوار، وإقتلاع صور حسني مبارك، والآليات العسكريّة في الشارع... ويتقاطع الفيديو مع مشاهد تتكرّر لمصاعد الفندق، يخبرنا خلالها الأمين عن حلم يراوده حيث الناس يجرون في الشوارع، يراقبون بعضهم، ثم ينقطع الحلم، ليعاود لاحقاً. عنصر يضاف إلى البعد الشخصيّ ليوميات تجربة الثورة.
مشاهد لطائرات عسكريّة تخترق السماء والفيديو أحياناً. قصف ليليّ، وصوت رصاص، واشتباكات. تبقى الكاميرا، وشخصيات الفيديو خارج كل ما يحدث رغم تواجدهما أحياناً وسط الثوار. تبدوان أشبه بسائح بوغِت بتحركات غريبة في وسط البلد، فقاده فضوله إلى الاقتراب وروية ما يحدث عن كثب. مع ذلك، يغادر سماحة والأمين القاهرة لزيارة الاهرامات واستكمال رحلتهما. أيضاً، نرى صوراً تتقاطع بين صور أرشيفية للأهرامات وحديثة يظهر فيها بعض السياح المتذمرين من الباعة، ثم نعود إلى القاهرة حيث الثوار، والعسكر، والطائرات، والصور القديمة للعاصمة المصرية المأخوذة من الأرشيف، وإحساس المخرج والممثل بأنّهما ملاحقان، ما يدفعهما إلى تغيير فندقهما وثيابهما، ولهجتهما مراراً وتكراراً!
تتواصل تلك الرحلة السياحيّة وسط الثورة مع قرار بعدم الغوص في حيثيات الأحداث، وصولاً إلى مشاهد في غرفة الفندق: غيث الأمين مستلق على سرير، ثم مشهد لفتاتين مصريتين تقبّلان بعضهما على شاشة الكمبيوتر، وألعاب فيديو. انتهت الرحلة، وجاء وقت العودة إلى بيروت، فتوليف فيديو Transparent Evil.
إنّه عمل آخر لفنان لبنانيّ يطال الثورات العربيّة. قد يجد بعضهم في «شرّ شفاف» أسلوباً شاعريّاً لتناول أحداث تعني الجميع، كما تعني الفرد (روي سماحة) بشكل مختلف. ليس مطلوباً من كل عمل فنيّ أن يحمل راية النطق بإسم الثورة، أو تحليلها. لكن ربما من المبكر ونحن ما زلنا في صميم الثورة أن نستعيض عن فعل الثوّار بالبحث عن «شرّ شفاف» مختبئ في زيارة الأهرامات، وقصة بوليسيّة عن الملاحقات الخياليّة، وفتاتين تقبّلان بعضهما في فيديو كناية عن يوميات تجري في خضم الثورة.