الرهان الأول لقناة «المنار» في الدراما اللبنانيّة كان أكثر من ناجح. مسلسل «الغالبون» الذي عرض في رمضان الماضي حقق نسبة مشاهدة عالية، وكذلك الأمر عند إعادته على أكثر من محطة بينها otv اللبنانية. العمل الذي طرح سيرة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي استطاع تقديم صورة واقعيّة للمجتمع اللبناني، ولعائلات المقاومين في مرحلة تأسيس «حزب الله». وفيما بدأ المخرج السوري رضوان شاهين بتنفيذ الجزء الثاني الذي سيمتدّ على 34 حلقة، اتفق مع «مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني» والكاتب فتح الله عمر، على إحاطة العمل بطوق من السريّة والكتمان. لعل السبب الأهم يتمثّل في عدم اكتمال «الكاسيت»، والاشتراط على الممثلين عدم الكشف عن أحداث المسلسل، علماً بأن معظمهم لا يعرف أكثر من الشخصية التي يؤديها، ما سيجعلهم في عزلة عن خطوط دراميّة أخرى، قد تساعدهم في رسم تفاصيل شخصيّاتهم.
كذلك ما زال النص بين أيدي الجهات الرقابيّة الشرعيّة في «المنار» التي احتاجت إلى عامين من التعديل قبل الموافقة على الجزء الأول. غير أنّ السباق مع الزمن يضعها أمام الأمر الواقع، ويفرض عليها ألّا تأخذ وقتها في التعامل مع الجزء الثاني. وسيكون عليها أيضاً الاطلاع قريباً على الجزء الثالث الذي يرصد الفترة بين 1992 حتى انسحاب الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، لينتهي الجزء الرابع بعدوان تموز (يوليو) 2006.
تحمل الحلقات الجديدة مفاجآت على مستوى الأبطال الذين يتجاوز عددهم 180 ممثلاً على حد تعبير المدير العام لقناة «المنار» عبد الله قصير. طبعاً، لن يرفع الرجل السريّة عن النص، لكنه يرسم بعض الخطوط العامة التي توجز المرحلة بين 1986 و1992. هكذا سنشاهد ياسر عباس الموسوي يخضع لامتحان الدراما للمرة الأولى، مجسّداً شخصيّة والده الشهيد عباس الموسوي الذي اغتيل عام 1992. ويروي المسلسل ما سبق أن تحدّث عنه ياسر في الصحافة عن «رحلة الموسوي الأخيرة إلى جبشيت» التي فقد فيها والديه وشقيقه حسين. ويجمع «الغالبون» في جزئه الثاني مجموعة من نجوم الدراما، بينهم طلال الجردي، وباسم مغنية، وفيفيان أنطونيوس، ونادين ويلسون نجيم، وبديع أبو شقرا، وعدي رعد، وجيسكار لحّود، وعصام بريدي، وفاديا عبّود. كذلك حلّت إلسا زغيب في دور بتول، بعد استبعاد دارين حمزة واعتذار ماغي بو غصن. وليس واضحاً ما إذا كان المسؤولون عن العمل سيتعاقدون مع كارلوس عازار. وبعيداً عن الخط الدرامي لبطلَي الجزء الأول علي (طوني عيسى) وفارس (مازن معضم)، يضيء العمل على شخصيّات قاسم الشاب المعتقل في السجون الإسرائيليّة الذي تقع في غرامه ضابطة إسرائيليّة، وماهر المتزوج من ناهد المتسلطة التي تجبر زوجها على التعامل مع الإسرائيليين بسبب مرض ابنهما. وهناك شخصيّة رضا التي تأخذ خطاً آخر، فيتزوج بعد وفاة والده. وتشهد الحلقات الأولى من العمل وفاة زينب (بولين حداد)، خطيبة علي، وتحمل الأحداث مفاجآت في حياة الشاب المقاوم.
وبعد انطلاق التصوير في القرى الجنوبيّة، يبدو قصير الأكثر حماسة لمتابعة الجزء الثاني، «لأن خطاب الدراما ليس مباشراً، وبعيد نسبيّاً عن الموقف السياسي والخلافات، ما يجعلها تخترق الحواجز». ورغم الجدل المثار حول الجزء الأوّل، واتهام صنّاع العمل بـ«تشويه الحقيقة وتزوير التاريخ»، يرى قصير أن «الانتقادات طاولت نقاطاً تفصيليّة، وعندما توضحت الأمور، توقف الجدل». وأن «التجربة الأولى تراوح بين انتقادات بسيطة وايجابيات كثيرة، وهو ما يؤكد أنّ العمل ناجح. وسنأخذ في الاعتبار ما سمعناه من انتقادات، ونحاول تلافيها لنقدم مادة أفضل». ولا يخفي الرجل رضاه عن وصول العمل إلى أكبر شريحة من الجمهور العربي المنتشر في بلاد الاغتراب عبر «الفضائيّة السوريّة» في رمضان الماضي، ثم على otv، و«الكوت» الكويتية أخيراً. ويلفت قصير إلى أن «توقيت التواصل مع الصحافة سيكون في مطلع آذار (مارس) المقبل، وستتضح طبيعته في الأيّام المقبلة». ويستعيد قصير أحداث الجزء الأول قائلاً: «حرصنا على ألّا نضع تسميات للمقاومات الناشطة في تلك الحقبة... عدم التطرق إلى تجارب الآخرين، لا يعني إنكار دورهم، لأن ثمة ومضات تؤكد وجود حركات مقاومة أخرى».
وفيما رأى بعضهم أن «الغالبون» لن يكون مغرياً للفضائيات العربية بسبب تبنّيه رواية المقاومة الإسلامية، يقول قصير إن «ما ينطبق على المرحلة السابقة، اختلف بعد الصحوة الشعبيّة في العالم العربي، لأن هذا العمل يتحدث عن أكثر نقطة مضيئة في الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وهو ما كان مزعجاً لكلّ الأنظمة التي تعيش تحت المظلة الأميركيّة. وأعتقد أنّ المزاج الشعبي يطالب بدراما مماثلة، بخلاف بعض الأنظمة العربيّة التي يزعجها وجود مقاومة تفضح العجز العربي، وتثبت أن إسرائيل تُقهر». ويشير إلى غياب الديموقراطية في بعض الأنظمة الغربية متسائلاً: «لماذا لا يحق لنا أن نترجم «الغالبون» ونعرضه على قنوات غربيّة؟».
إذاً في آذار (مارس) المقبل، سيتواصل فريق العمل مع الصحافة لكشف بعض تفاصيل الجزء الثاني من المسلسل اللبناني، وفي انتظار ذلك، يبقى السؤال: هل يمرّ العمل هذه المرة من دون انتقادات؟ أم ثمة جدل آخر سيبدأ مع انطلاق أولى حلقات الجزء الثاني؟