بدءاً من هذا المساء، سيتحوّل «فندق البستان» إلى مصغّر عن ملايين الكيلومترات المربّعة التي تمتد على مساحتها القارة الأميركية الجنوبية. وقد تختصر الدورة الـ19 من «مهرجان البستان» الشتوي مجتمعات دول هذه القارة، إذا اعتبرنا أنه ليس هناك أفضل من الفنون، على رأسها الموسيقى، لرسم ملامح الشعوب. تحمل الدورة الحالية عنوان «موسيقى أميركا اللاتينية» وتشكّل محطة استثنائية في تاريخ المهرجان، وقد تكون الأهم إذا قوربَت من زاوية الاكتشاف الفنّي (الموسيقي الكلاسيكي). حتى بالنسبة إلى الجمهور المتطلِّب، يشكّل الجزء الأكبر من البرنامج «غابةً أمازونية» لم تطأها أذناه قبلاً.
ويطاول هذا الوصف أعمال مؤلفين مغمورين أو حتى نوادر لمؤلفين معروفين. من جهة ثانية، عندما نقول موسيقى، نقول غالباً رقصاً. وعندما نقول أميركا اللاتينية، تصبح العبارتان متلازمتيْن. لذا كان طبيعياً أن يحظى الرقص بهامش أوسع من الدورات السابقة، وأن يُمنح شرف الافتتاح إلى الفلامنكو، الفن الذي يجمع الموسيقى والرقص بشكل عضوي. صحيحٌ أنه لا يخصّ أميركا اللاتينية، لكنّه رمز مصدر ثقافات هذه القارة لغة وفنوناً، أي إسبانيا، أو رأس حربة استعمار تلك الأرض. أما بعد، فهناك أمسية «ممرّات مضيئة» للرقص المعاصر (4و5/3)، وأخرى أرجنتينية بعنوان «تانغو ميتروبولس» (17و18/3).
الافتتاح إذاً هذا المساء مع «فرقة باكو بينيا للرقص» التي تقدّم عرضها الموسيقي الراقص بعد غدٍ أيضاً، بعنوان «فلامنكو بلا حدود». يقود المجموعة (موسيقيين ومغنّين وراقصين)، عازف الغيتار الإسباني المخضرم باكو بينيا الذي حل ضيفاً على «البستان» في 1995 و2003 و2007. تتوالى العروض الموسيقية، الكلاسيكية في الدرجة الأولى، وبعدها الشعبية أو الهجينة التي تجمع النمَطيْن، بالإضافة إلى العروض الراقصة التقليدية والمعاصرة. هكذا نلاحظ أولاً حضور المرأة في فئة قيادة الأوركسترا، مع البرازيلية ليجيا أماديو (24/2) التي تقود أوركسترانا لمرافقة السوبرانو الكوبية إيغليز غوتييريز في أمسية أوبرالية، بين افتتاحيات أوكسترالية ومقتطفات غنائية. وبعدها، تحضر الحسناء المكسيكية ألوندرا دي لا بارا على رأس Orquesta Sinfonia de Gayaquil (10/03). غير أنّ حصة الأسد في قيادة الأوركسترا تبقى للإيطالي جيانلوقا مرتشيانو (راجع المقال في الصفحة المقابلة) الذي يتولى أيضاً الإدارة الموسيقية في المهرجان.
في فئة العزف المنفرد على البيانو، الدورة غنيّة نسبياً، إذ تضم أربع أمسيات. الأسماء العملاقة غائبة، لكن المكرّسة حاضرة مع البرازيلية كريستينا أورتيز (25/02) التي تعدّ من أشهر عازفات البيانو الكلاسيكي في أميركا اللاتينية، بعد الأسطورتيْن مرتا أرغيريتش ونلسون فرايره. يلي أورتيز مواطنها ذو الأصول اللبنانية جوزيه فغالي (01/03) الذي يوازن في برنامجه بين الريبرتواريْن الكلاسيكييْن اللاتيني والأوروبي. كذلك، تقدّم ليندا بستاني (البرازيلية من أصل لبناني أيضاً) أمسية لاتينية/ أوروبية، على غرار فغالي. ويختتم هذه الفئة الروسي ألكسندر غيندين (19/03) بأمسية اكتشافات موسيقية، لولا إدراجه البرازيلي فيلا ـ لوبوس والأرجنتيني بياتزولا في البرنامج. في هذه الليلة يتساوى الجمهور المخضرم مع الهواة، لناحية المعرفة المسبقة بالأعمال المطروحة في ليلةٍ بعنوان «مفاتيح أميركا اللاتينية». مفاتيح العازف الروسي ليسَت للأبواب الكبيرة، إنما للدهاليز المؤدية إلى مناطق عذراء في الموسيقى اللاتينية الكلاسيكية.
أهمية «مهرجان البستان» هذه السنة أنه يرضي أولاً التوّاقين إلى المعرفة. هذا هو التعريف الحقيقي للثقافة.

«مهرجان البستان»: بدءاً من هذا المساء حتى 25 آذار (مارس) ــــ «فندق البستان» (بيت مري ــ جبل لبنان) ـــ للاستعلام: 04/972980 ـــ www.albustanfestival.com




لبنان الآخر

الأميركيون اللاتينيون من أصول لبنانية يفوق عددهم أضعاف «الصامدين هنا». زار «مهرجان البستان» العديد من الموسيقيّين اللاتينيّين/ اللبنانيّين في الدوارت السابقة. من البرازيل، يزورنا السنة عازفا البيانو جوزيه فغالي، وليندا بستاني، وكذلك السوبرانو المكسيكية أوليفيا غرّة. يضاف إليهم ثنائي الغيتار البرازيلي الشهير، الأخوان أسد، وعازف البيانو المكسيكي ماوريزيو نادر الذي يختتم البرنامج، ترافقه الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة جيانلوقا مرتشيانو.