بعد عشرات العقود على ولادة بعض الروائع الكلاسيكية، بات العالم يتعامل معها اليوم كإرث بشري، بعدما تخطت قيمتها الفنية هوية مؤلفيها وجنسياتهم. صحيح أنّ عنوان الدورة الحالية لـ«مهرجان البستان» جعل حضور أعمال المؤلفين الأميركيين اللاتينيين طاغياً على برامج الأمسيات المرتقبة، لكن بعض الأعمال الكبيرة غير اللاتينية لم تغب كلياً، لتطعِّم المواعيد باستثناءات جميلة.
أبرز هذه الروائع سوناتة البيانو الثامنة (Pathétique) لبيتهوفن والـKinderszenen لشومان في أمسية جوزيه فغالي. باخ يتمثل في عمل واحد للفلوت والبيانو في برنامج مرتشيانو/دي لا فيغا، وهايدن في كونشرتو للتشيلو خلال أمسية «كونشرتوهان وبوليرو». في الأمسية الختامية، تزيّن البرنامج رائعة غرشوين Rhapsody in Blue. الاستثناء الأهم حاضرٌ في أمسية عازفة البيانو البرازيلية كريستينا أورتيز التي حجزت نصف برنامج أمسيتها لأعمال المؤلف الفرنسي الانطباعي كلود دوبوسي (1862 ــ 1918).

هذه السنة تصادف الذكرى الـ150 على ولادته، بالتالي يمكن اعتبار تخصيص نصف ليلة لروائعه بمثابة تحية غير معلَنة. من بين المؤلفين الأوروبيين الحاضرين في «البستان» البولوني/الفرنسي فريدريك شوبان الذي تؤدي عازفة البيانو ليندا بستاني خمس مقطوعات من ريبرتواره، تضاف إليه رموز الأوبرا الإيطالية. ثمة استثناء لقاعدة أخرى يتمثل في «بوليرو» الفرنسي موريس رافيل. العمل ذو صِلات بنيوية بالموسيقى اللاتينية رغم هويته الفرنسية. لكننا نتناوله هنا لمروره مرتيْن في هذه الدورة، الأولى في نسخة مسجّلة لمرافقة عرض الرقص المعاصر، والثانية في أداء حي بقيادة المكسيكية ألوندرا دي لا بارا. إذاً، باخ وبيتهوفن وهايدن وشوبان وشومان ودوبوسي وغيرهم شكّلوا الاستثناء في الحضور. أما الاستثناء في هذا الاستثناء فحمل توقيع موزار: Absent!



آستور بياتزولا

لم يعرف التانغو شخصية موسيقية بحجم آستور بياتزولا (1921 ــ 1992، الصورة). إنه عازف باندونيون ومؤلف بالمعنى الصارم للكلمة. لا يمكن بسهولة حصر بياتزولا بالتانغو، فقد انطلق من هذه الموسيقى الشعبية في بلاده، لكنه كان يبني مؤلفاته على القواعد الموسيقية الكلاسيكية أو الجاز. في الذكرى العشرين لرحيله، يسجل بياتزولا في «البستان» الحضور الأقوى إلى جانب شيخ المؤلفين في أميركا اللاتينية البرازيلي هايتور فيلا- لوبوس. نسمع عدداً من أعماله في أمسيات «البستان» وخصوصاً العمل النادر من فئة الأوراتوريو وهو بعنوان El Pueblo Joven. بالإضافة إلى كلاسيكياته، أبرزها Libertango.



هايتور فيلا ـ لوبوس

لا يختلف اثنان حول أهم مؤلف موسيقي كلاسيكي في القارة الأميركية اللاتينية: هايتور فيلا- لوبوس (1887 – 1957). ترك هذا الرمز البرازيلي ترسانة من المؤلفات الكلاسيكية. مع الأسف، المعروف منها قليل عند الجمهور العريض مثل Bachiana Brazileira no. 5 التي سنسمعها في «البستان» بصوت السوبرانو المكسيكية غوادالوبيه خيمينيز. هذه الدورة من «البستان» تعدّ فرصة نادرة للتعرّف إلى أعمال أخرى مغمورة له. إذ أدرِج العديد منها في ثماني أمسيات، أبرزها للبيانو المنفرد في برنامج كريستينا أورتيز التي أنجزت تسجيلاً قيماً لكونشرتوهات البيانو الخمس لمواطنها.