ما الذي يجري في السعودية هذه الأيام؟ حرية الرأي والتعبير التي كانت تُمنح بجرعات صغيرة محلياً، تشهد تراجعاً كبيراً وسط فورة الربيع العربي... فهل المطلوب هو الصمت؟ بعد قضية حمزة كشغري المتهم بالإساءة إلى الرسول في تغريدات على تويتر، واعتقاله أثناء محاولته الهروب إلى ماليزيا، وتسليمه إلى المملكة لمحاكمته، أخذت هجمة رجال الدين والمحتسبين بعداً سياسياً، وهي تهدف إلى تصفية كلّ رأي مختلف. هكذا، أصدر 50 عالم دين سعودياً، على رأسهم الشيخان عبد الرحمن البراك، وناصر العمر بياناً يوم الأحد الماضي دعوا فيه إلى إيقاف «مهرجان الجنادرية»، الذي يُختتم بعد غد، ومنع إقامة معرض الكتاب الذي ستحتضنه مدينة الرياض الشهر المقبل.
وجاء في البيان «في هذه الأيام، يقام «مهرجان الجنادرية» بما فيه من لهو ولعب واختلاط، مما لا يرضاه عقل ودين... وبعد أيام، يأتي معرض الكتاب بمشكلاته بسبب ما يعرض فيه من كتب محرّمة، وما يقام فيه من ملتقيات يستضاف فيها أصحاب الفكر المنحرف، وما يجري فيه من اختلاط واستخفاف بالأحكام الشرعية، فعليه يجب أن تتوقف هذه البرامج والفعاليات».
التيار الديني المتشدد مهتمّ بتعبئة الشارع من أجل تصفية حسابات سياسية، إذ ليس مطلوباً بالضرورة منع معرض الكتاب ومهرجان الجنادرية، كما يرى الحقوقي السعودي توفيق السيف في اتصال مع «الأخبار». ويقول إنّ «هذا التيار المتشدد يملك الصوت الأعلى والأجرأ في التعبير عن مطالبه، وهو ليس محصوراً في ناصر العمر والبراك، اللذين تصدّرا بيان العلماء الـ 49»، إذ إنّ الشيخ ناصر العمر، الذي يمثل تيار أقلية غير محبوب من قبل العديد من التيارات الدينية، فيما الشيخ عبد الرحمن البراك، شخصية منعزلة ومتطرفة، و«المستغرب أنّهما التقيا في بيان واحد» حسب تعبير الحقوقي السعودي. وفي تعليقه على بيان المشايخ، كتب رئيس جمعية «حسم» للحقوق السياسية والمدنية عبد الكريم الخضر على صفحته على تويتر، ما معناه أنّه بدلاً من التحدّث عن «مهرجان الجنادرية»، الأولى بهؤلاء الحديث عما يحصل من ممارسات قمعية في السجون السعودية. المرحلة المقبلة في المملكة قد يصح إطلاق مسمّى المكارثية عليها، أو محاكم التفتيش بعد قيام الكثير من المتشددين بمراقبة كل تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي. هجمة جعلت الكاتب تركي الحمد يتوقف عن الكتابة على تويتر، بعد مهاجمة ثلاثيته الروائية، واتهامه بالكفر والدعوة إلى مقاضاته، إذ كتب تعليقاً أخيراً على ما يحدث له وللمثقفين في بلده، قائلاً: «سأل القاضي الرجل الذي طعن نجيب محفوظ لماذا طعنته؟ قال لأنه كافر. القاضي: وكيف عرفت؟ قال: من رواية «أولاد حارتنا». القاضي: هل قرأت الرواية؟ قال: لا».