ست شخصيات تتهامس وسط الجمهور: «كم أصبحت الساعة؟ هل وصل؟». إنه ليس «غودو» بيكيت، بل مالك المنزل الذي تسكنه العائلة منذ 60 عاماً. ساعتان ويصل لاسترجاع البيت. لا، إنّه الوطن، إنّها الساعة الأخيرة قبل السلب والاحتلال.. أو الأوطان العربية منتظرةً حكام ما بعد الثورة، أو ديكتاتوراً جديداً. بل ربما إنّه حلم الثورة. إنّه عدم الاستقرار الذي خُلقنا به ونقاومه كل ساعة لأنّه كما تقول يارا أبو حيدر مستعيدةً سعد الله ونوس «إنّنا محكومون بالأمل» وإلا فسنصبح «يا ما كان».
إنّه العرض الثاني الذي يجمع الممثلة اللبنانية بالممثل والمخرج التونسي وحيد العجمي بعد «ينعاد عليك» الفريدة التي مزجت تجربة المسرحين اللبناني والتونسي. في «يا ما كان» (كتابة الإثنين وإخراج العجمي)، بناية تُبنى على أنقاض البستان في مواجهة البيت القديم. في الداخل وعلى الخشبة، الجدة (حنان الحاج علي) تراجع صورها القديمة. ناصر المحامي (طارق باشا) ما زال يعدّ منذ سنوات مرافعته القانونية لحماية بيت العائلة. أما زوجته سلمى (يارا أبو حيدر) فتهتم بالجدة. فيما زهرة (روان قشمر) منهمكة بتنظيف المنزل الذي قد تخليه الأسرة بعد ساعات وتتسلط على أخيها الكبير صابر (باسل ماضي) الذي ما زال يخاف الذئب. وفي الخارج، عامر (رودريغ سليمان) يصلّح الراديو ليستمع إلى أغنيات أسمهان، ويحرس البيت بجفته. خلال ساعة ونصف الساعة، تتبلور الشخصيات، وهواجسها، وعلاقاتها. تتوالى الأحداث داخل المنزل في انتظار المالك، ليصبح الزمن بانوراما عن حيوات شخصياتنا الست. على الركح، مكعبات بيضاء، وكنبة للجدة تتحول إلى كراسٍ وطاولة... ويبقى الممثل ونصّه العنصر الأساسي في العرض. خيار اخراجي يؤمن به وحيد العجمي: يؤمن بالممثل، واللعبة الدرامية المبنية على تركيبة الشخصية وطاقة تفاعل الممثلين مع بعضهم ومع الجمهور. تختفي المؤثرات الصوتية والسينوغرافية التكنولوجية، ليكتفي بإضاءة موضعية تضيء موقع الحدث على الخشبة. فيما أتى حضور الممثلين متفاوتاً، فالمبالغة في أسلبة الشخصيات أحياناً وقعت في «البورليسك». أما تركيبة النص فتتخلله لحظات كوميدية تهكمية على الكهرباء المنقطعة في لبنان، وتقليد أفلام الميلودراما المصرية... لقد أتت جزءاً من عدم الاستقرار الذي نعيشه يومياً، وأسهمت في تلوين ديناميكية السياق الدرامي رغم أنّها كانت دخيلة بعض الشيء.
في نهاية العرض، يحمل كل ممثل أغراضه، وبيته على ظهره في صندوق أبيض، ويرحل. في ذلك الصندوق، يكمن بيت كل منّا، يحمله في جسده بحثاً عن الاستقرار. هدف قد لا يحققه يوماً، لكنّه محكوم بالبحث عنه.



«يا ما كان»: 8:30 اليوم حتى الأحد ـــ «دوّار الشمس» (الطيونة ـ بيروت): 01/381290