الحرب الإسرائيلية على الصورة ليست وليدة الأمس. الإسرائيلي مسيطر وكاسب دائم في المعركة الإعلامية، التي كانت طوال الوقت جزءاً كبيراً من مساحة الصراع المفتوح معه. تبدل المشهد على نحو نسبي منذ سنوات. صار الإعلام الفلسطيني بوسائطه المختلفة، يكسب في جولات عدة، مدعوماً بالإعلام العربي وغير العربي المنحاز إلى فلسطين والعدالة على قلته. لذلك، يشتد الهجوم على الإعلام والإعلاميين. آخر التعديات ما تعرضت له «فلسطين اليوم» التي أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي مكاتبها في الضفة الغربية والقدس قبل أسابيع بتهمة «التحريض على العنف»! (الأخبار 11/3/2016). لكن لماذا محاولة إسكات هذا الصوت على نحو شبه كامل؟ قدمت «فلسطين اليوم» تجربة يمكن تصنيفها بالفريدة في الإعلام الفلسطيني، الذي اتخذ شكلاً نمطياً لم يستطع الفكاك منه لعقود طويلة. إذ اعتمد سردية ووسائط عمل لا تقيم تمييزاً حقيقياً بين النشرات التعبوية الحزبية، وأهمية تمجيد «القائد»، والتأكيد على «صوابية المواقف أمام امتحان الواقع والتاريخ»، وبين التوجه إلى الجمهور التائق لأن يرى نفسه في الإعلام، ويشاهد وجعه وأمله وصموده وحزنه وبطولته. علماً بأن مناقشة مسألة الخطاب الإعلامي الموجه إلى المحيط والعالم له حكاية تطول. ركز ذاك الإعلام، وبعضه لا يزال قائماً، على مضامين يراها ممتازة، من دون عناية بـ «الصورة» وكيفية تقديم المعلومات في عصر تلعب فيه الصورة والمشهدية التي تجذب الأبصار، دوراً كبيراً في استقطاب المشاهدين. واعتمد منظومات أحادية تتوجه إلى جمهور محدد، من دون معرفة حقيقية وجادة بما يريده حقاً.لكن قناة «فلسطين اليوم» كسرت هذا النمط، ونجحت في الدمج بين خبرات إعلامية معقولة، وطاقات شبابية أكثر قرباً من أدوات العصر الإعلامي وكيفية التعامل معها. بدأت رحلتها بتدريب عشرات من الشبان، سرعان ما تولوا صياغة وبث رسالتها الإعلامية، قبل أن ينتقلوا إلى إبداع فعلي في عرض الرسالة، لناحيتي الشكل والمضمون. كان الشكل مهماً، بقدر حضور الناس الكبير على شاشتها. حضر فيها الناس، فالتفوا حولها. اعتبروها صوتهم. ولم يجد حزبيون وحركيون كثيرون حرجاً في امتداحها واعتبارها شاشتهم. حضرت «فلسطين اليوم» بوعي كامل لطبيعة الرسالة الإعلامية المطلوبة التي تقدم إعلاما فلسطينياً جديداً لا يملك إمكانات كبيرة في عصر «الغِيلان الإعلامية»، لكنه قادر على النفاذ إلى قلوب الناس الحاضرين فيه، ليصير مؤثراً فعلياً في تزويدهم بالمادة الإخبارية، والبرامج التي تلامس عيشهم بكل تفاصيله، ويطرح رؤية لمستقبل أفضل. مقالات كثيرة ودراسات واستطلاعات رأي خلال الأشهر العشرة المنصرمة، وضعت المحطة في مقدمة الوسائل الفلسطينية صاحبة التأثير. لذا، ليس غريباً أن يقرر «الكابينت» (المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر) إغلاقها، وليس غريباً أن تقول إنّها «مستمرة» تعي رسالتها ودورها في المواجهة المفتوحة مع الاحتلال