في عمله الجديد، يعود الممثل والمخرج الأميركي الكبير كلينت إيستوود لتقديم بيوغرافيا سينمائية عن أحد أشهر الوجوه وأكثرها إثارةً للجدل خلال خمسين سنة من تاريخ الأمن والسياسة الأميركيين. إنّه مؤسس مكتب التحقيقات الفيدرالي ورئيسه الأول جاي إدغار هوفر. في هذا الفيلم، يحاول إيستوود المخرج الإضاءة على هوفر بين شخصيته القوية التي تفرض نفسها، ومثليته المفترضة التي خبأها طوال حياته.
تبدأ حبكة فيلم «جاي. إدغار» مع إدغار هوفر (ليوناردو دي كابريو) في سنواته الأخيرة وهو يدعو كاتباً إلى مكتبه ليسجّل مذكراته، متمثلةً في قصة تأسيس مكتب التحقيقات الفيدرالي. من هنا، يبدأ الشريط في التذبذب بين سرد هوفر، والرجوع إلى الماضي.
نعود إلى بدايات هوفر عام 1919، عندما كان يعمل تحت خدمة إيه ميتشيل بالمر في وزارة العدل الذي يتعرض لمحاولة اغتيال من قبل «شيوعيين متطرفين». ينجو ميتشيل ويظهر اهتمام هوفر بـ«الخطر الشيوعي البلشفي» وبعلم الجنايات بديلاً عن الطرق البدائية التي كانت التحقيقات تجرى بها عادة. يعيّنه بالمر مسؤولاً عن قسم خاص للتحري عن الراديكاليين اليساريين، ويبدأ فوراً بجمع قائمة كبيرة بالمشتبه فيهم، ويعارك وزارة العمل في رغبته بترحيل الراديكاليين، وينجح لاحقاً في ترحيل الفوضوية الشهيرة إيما غولدمان في سابقة قضائية. هكذا، نتابع تسلقه السلطة حتى تأسيسه مكتب التحقيقات الفيدرالي، وعلاقته بأمه (جودي دينش)، وبمساعدته هيلين غاندي (ناومي واتس)، وبمساعده وحبيبه المشتبه كلايد تولسون (آرمي هامر). نمرّ على أحداث تاريخية ومفصلية شهدتها أميركا بدءاً من الذعر الذي أصابها عشية الثورة البلشفية وترحيل اليساريين الراديكاليين وصولاً إلى حقبة جون كينيدي وريتشارد نيكسون الرئاسية. وبين هذا وذاك، نرى هوفر الصارم والمحافظ والتناقضات الداخلية التي يعيشها بوصفه مثلياً.
يقدم إيستوود دراما تحوي بعض العيوب، خصوصاً في السرد الذي يتعب المشاهد. كمية الأحداث والفترة الزمنية التي يحاول السيناريو الذي كتبه داستن بلاك تغطيتها منهكة بالتأكيد، تترك المشاهد في حيرة وسط هذا التذبذب السردي بين الماضي والحاضر. وإيستوود لم يفعل شيئاً يخفّف من عبء ضعف السيناريو رغم أنّ أداء طاقم التمثيل جيداً، خصوصاً دي كابريو. رغم كل شيء، فالعمل معبّر يصوّر في النهاية سيرة رجل أدار الولايات المتحدة من مكتبه. كائن عنصري ويميني وصارم ينجح في تأسيس مكتب تحقيقات متطوّر. لكن خلف هذه الواجهة، نرى كائناً مذعوراً يعيش تناقضاته الداخلية كمثليته المقموعة وعقده وتعلّقه المرضي بوالدته واللعثمة التي كان يعاني منها في طفولته. عبر شخصية هوفر ومكانته المعبّرة، لعل إيستوود أراد أن تصوير أميركا التي يراها، الغارقة في مختلف أشكال الرهاب والخوف على حياتها وأمنها من «الأعداء».



J.Edgar: «غراند سينما» (01/209109) ــ «أمبير» (1269)