عن «دار لارماتان» في باريس، صدر «هايدغر والفكر العربي» للأكاديمي مشير عون. يتناول البحث الصادر بالفرنسية إشكاليّة تلاقي فكر مارتن هايدغر (1889 ــ 1976) الفلسفي مع الفكر العربي. فكر الفيلسوف الألماني لم يثر أيّ فضول في العالم العربي، ولم يستثر أي إغراء إيديولوجي. يبغي الكاتب إظهار أهمية التلاقي الإيجابي الممكن بين هذين العالمين، علّ الفكر العربي يجد في «فلسفة الكائن» الهايدغرية، مصدر وحي يتناسب وإشكاليّاته الخاصة. لا شكّ في أنّ لقاء الفكر العربي فلسفة هايدغر يحدث نوعاً من التوتّر لاستحالة تعدّد الخطابات حول الكينونة شرعياً. «يمكن كل الثقافات أن تدرج عطاءاتها في سفر الحقيقة، بالقدر الذي تجهد عقولها في إظهار تنوع الكينونة الذي لا ينضب». ويعي الكاتب عمق الهوة التي تفصل بين هذين العالمين، وانعدام محاولات التقارب في تاريخ الفلسفة الحديثة. الإشكالية الأكبر التي تواجهها هذه المقارنة تتمثّل في عمق الفكرين.
فكر هايدغر أنطولوجي محوره علاقة متوتّرة بين «الكائن هنا» و«الكينونة» الذي لا يسمّيه الفيلسوف، في حين أنّ الفكر العربي لاهوتي، محوره الحق الإلهي وجدلية الوحي والعقل. أمّا منهجيّات الفكرين، فهي أيضاً في حال تمايز متباعد. فكر هايدغر يرنو إلى «تفكيك» البناء الماورائي للفلسفة المعاصرة، في حين أنّ منهجية الفكر العربي تقوم على «تأقلُم» المتوارث والتقليدي مع ما هو حديث من دون الغوص في مساءلات نقدية جذرية.
يقترح الكاتب سبلاً للاستفادة وللتبادل بين فكر هايدغر والفكر العربي، منها أنّ أصالة الإنسان تمرّ بالنسبة إلى الفيلسوف الألماني بعالميته، وبزمنيّته وبتاريخيّته. نظرة هايدغر إلى الإنسان نظرة أنطولوجية، وهو يدعوه «الكائن هنا» الذي «عليه أن يتعلّم كيف يراقب تجلّيات وانحجابات الكينونة باحترام ومودة». أمّا نظرة الفكر العربي إلى الإنسان، فهي بالنسبة إلى الكاتب متأثّرة بالنظرة القرآنية التي تقول بأنّ كل شيء مصدره الله وأن لا شيء يمكن تفسيره من دون الله. يرى مشير عون أنّ هناك تقارباً بين إنسان هايدغر «الكائن هنا» الذي يستسلم بشكل ما «للكينونة»، وإنسان القرآن، «الخليفة» الذي يستسلم بشكل مطلق لله. وبينما يحاول الإنسان القرآني فهم كلمة الله عبر الحفاظ على خلقه، يحاول إنسان هايدغر فهم كلمة «الكينونة» رسالة خلاصية تدفعه إلى المحافظة على الأرض والسماء، والبشر والآلهة.



تقام ندوة عن الكتاب عند الرابعة من بعد ظهر الغد في إطار «المهرجان اللبناني للكتاب» بدعوة من «الحركة الثقافية ـــ أنطلياس» (شماليّ بيروت)