مواد سمعيّة وبصريّة كثيرة أنتجتها البشريّة. لكن كيف يمكن أن نعود إلى جزء من ذلك الأرشيف لإعادة قراءته، أو إعادة توليفه ليقدّم معلومة جديدة؟ هذا ما فعله 12 طالباً في قسم السمعي ـ البصري في «جامعة القديس يوسف» ضمن ورشة بقيادة Lieux Fictifs. المجموعة التي تتخذ من مرسيليا مقراً لها، تهتم بإنتاج مختبر سينمائي اجتماعي. أما المشروع الذي أتى بأعضائها إلى بيروت، فكان ورشة «المشاهدون» الذي اشتركوا في تنفيذه مع جمعية «أمم» و«جامعة القديس يوسف» في بيروت.
في «المشاهدون»، أنجز المشاركون أفلاماً قصيرة من مواد أرشيفيّة لـ«المعهد الوطني السمعي البصري» الفرنسي (INA). تعاون كل طالبين على إتمام فيلم قصير، مما أنتج ستة أفلام مختلفة تستند إلى المواد الأرشفية ذاتها وعُرضت منذ أيام في «هنغار أمم» (حارة حريك ـ بيروت).
تمحورت المواد الأرشيفيّة حول تيمة «التغيير» وتوزعت بين مشاهد لثورات اجتماعيّة (الثورة الصينيّة، وأحداث 1968...) و«الكوارث الطبيعيّة» (براكين، فيضانات...). وقبل تقديم نتيجة الورشة للجمهور في «الهنغار»، عُرض فيلم قصير بعنوان «لبنان من خلال السينما» للمخرج هادي زكاك صاحب فيلم «درس في التاريخ» الذي يستطلع فيه معرفة تلاميذ لبنان بتاريخه وسط غياب كتاب تاريخ موحّد في المناهج التعليمية. قضية تحتل دائرة الضوء هذه الأيام عاكسةً الانقسام المزمن بين اللبنانيين على خلفية كتابة تاريخهم. وفي الإطار نفسه يندرج «لبنان من خلال السينما» (2003) الذي يستعيد مشاهد من أكثر من 50 فيلماً صوّرت في لبنان منذ الخمسينيات. رحلة تستعير مشاهد من تلك الأفلام لتحاول إعادة كتابة تاريخ لبنان عبر الأفلام الروائية التي هي أساساً متخيّلة. بعدها، عُرضت نتائج الورشة التي أقامتها Lieux Fictifs في بيروت. هنا، تنوّعت زوايا الطرح في معالجة الأرشيف. اختار بعضهم تقديم قصة حرب لبنان، أو رواية متخيلة عن «أهل الكتاب» أصحاب الأبجدية في بيبلوس. أتى الطرحان محمّلين بشوفينية سطحيّة، أُسقطت على المواد البصريّة. فيما تبقى الطروحات الأخرى أكثر جديّة في محاورة المواد المتوافرة، إما عبر إضافة نفس شاعري، أو اللعب على إيحاءات جنسيّة ترافق مشاهد الطبيعة والحشود في الشوارع. وهذه الأعمال أبرزت تفاعل العلاقة بين المونتاج والصورة والصوت، وحمّلت الصورة معنى جديداً حسب كل فيلم. إنتاجات هذه الورشة ستقدّم في معرض في مرسيليا سيقام عام 2013 بعنوان «صور في الذاكرة، صور في المرآة» في إطار الاحتفال بـ«مرسيليا عاصمة الثقافة الأوروبية».