في «صاخب جداً وقريب للغاية»، يقارب ستيفن دالدري أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما في أفلامه السابقة «بيلي اليوت»، و«الساعات»، و«القارئ»، يقتبس السينمائي البريطاني شريطه عن عمل روائي بالعنوان نفسه للكاتب الأميركي جوناثان سافران فوير. وقد حوّله إلى سيناريو إريك روث الفائز بأوسكار أفضل سيناريو عام 1994 عن فيلم «فورست غامب».
الفيلم آمن جداً ومتقن بشكل لا يصدق. سرد دالدري وفيّ للسيناريو الأدبي. التوثيق لهذا الحدث المفصلي في التاريخ الأميركي المعاصر، لن يكون رهان الفيلم، بقدر ما يوظف الخيال الروائي لتقديم الرواية الموازية، أي البشر الذين لن يكونوا إلا ضحايا التاريخ. مقاربة تلتقي تماماً الذي مع فيلمه السابق «القارئ» حيث الهولوكوست مفصلي في الشريط لكنّه يأتي في سياق درامي مأخوذ بالحكاية والشخصية.
يدور الفيلم حول أوسكار شيل (توماس هورن). يحافظ دالدري على شخصيته الروائية بوصفها تلتقي مع شخصية أوسكار في «طبل الصفيح» لغونتر غراس. لكن أوسكار في الفيلم ليس قزماً، بل فتى في العاشرة يقرع على الدوام دفاً في أحياء نيويورك بدلاً من الطبل.
أوسكار مخترع صغير، حاد الذكاء، محاط برعاية والده (توم هانكس) الذي يدعم هواياته واكتشافاته. انهيار برجي التجارة العالميين سيكون نقطة الانعطاف الدرامية في الشريط ونحن نشهد انهيار حياة أوسكار إذ يكون والده في أحدهما. وهنا، يمضي الفيلم في خطّين متوزايين: الأول يعتمد على تلقّي أوسكار نبأ وفاة والده وتخيّله لما حدث لوالده أثناء الهجوم. هذا الأمر يكتمل مع نهاية الفيلم بعد تتبّعنا للرسائل التي يتركها الأب على الهاتف قبل أن ينهار البرج. رسائل يسمعها أوسكار جميعها ولا يقوى على الإجابة عليها، خصوصاً تلك التي تقول: «هل أنت هنا» التي تتكرر كلازمة. أما الخط الثاني فيتركز إلى ما سيصنعه أوسكار للتغلب على مرارة موت والده. يقع على مزهرية تحوي ظرفاً صغيراً فيه مفتاح كُتب عليه «بلاك»، إضافة إلى قصاصة جريدة في جيب بنطال والده حيث وضع خطاً تحت عبارة «تابع البحث». يقوم أوسكار بشيء جنوني، ألا وهو تجميع عناوين كل مَن كُنيته «بلاك» في نيويورك. وعلى طريقته الخاصة المدهشة، يزورهم مشياً على الأقدام ويجرّب المفتاح على أبوابهم.
مأساة أوسكار تبقى شخصية في مسارها الظاهري، لكنّها مع تنقلاته وتحركاته المدهشة سرعان ما تمسي ملفاً ضخماً عن العذاب الإنساني. مع مأساته، يجمع مآسي كثيرة. هو يقوم بزيارة 472 شخصاً ويلتقط لهم الصور ويوثق قصصهم، إلى أن يكتشف لغز المفتاح، وينتهي بالأرجوحة التي سينفّذ من خلالها ما أوصاه به والده: التأرجح عليها من دون مساعدة أحد، والإطباق على شعور الحرية الذي تمنحه إياه، كما قد رأينا الأب يقول لأوسكار في منتصف الفيلم.






Extremely Loud And Incredibly Close: صالات «أمبير» (01/616600) و«غراند سينما» (209109)