البصرة | أن تقيم البصرة ملتقى ثانياً لقصيدة النثر، يعني أنّ محاولات الانتقال بالحراك الثقافي الى خارج المركز بغداد، مستمرّة في أكثر من محافظة عراقيّة. مدينة السيّاب مثلاً راحت تنظم «ملتقى قصيدة النثر» و«مهرجان المربد الشعريّ».
أقيم «ملتقى قصيدة النثر» أخيراً بحضور أكثر من 80 شاعراً وناقداً عراقيّاً. وتميّزت الدورة الثانية ببعض الأصوات الشابة كعمر الجفال وعلي محمود خضيّر، وحضور الأسماء الراسخة، منها الشاعر السبعينيّ عادل مردان وزميلاه رعد زامل وطالب عبد العزيز. بينما أعلنت نجاة عبد الله من جديد أنّها شاعرة تتقدّم على غيرها من المشاركات في هذا الملتقى على الأقل.
وفي المجمل، تأرجحت النصوص المشاركة بين تجارب تعرف الطريق جيّداً الى كتابة قصيدة ناضجة بآليات اشتغال شاعر مؤمن عن وعي بالحداثة وتمثّلاتها في الأدب، مقابل استسهال بعضهم في تسطير الكلمات من قبيل «دماء تفاح فيزيائيّ». الملتقى تأجّل مرتين بسبب مشكلات الدعم الماديّ. وكان مقرراً أن يقام مع ذكرى رحيل السيّاب (24 كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي)، ليقام أخيراً ويقتصر على يومين فقط، بعدما استمرّ ثلاثة أيّام في الدورة التأسيسيّة التي أقيمت أواخر عام 2010.
المهمّ أنّه أقيم، وحملت دورته اسم «السيّاب». ولعلّ مبادرة شعراء شباب بزيارة قبر صاحب قصائد «المسيح قبل الصلب» و«أساطير» أتت في مكانها لاستذكار الشاعر الراحل بمبادرة خارج المنهاج المقرّر. يومان من القراءات والجلسات النقديّة التي تناولت محورين يتعلقان بقصيدة النثر هما: التأويليّ والمعرفيّ، واليوميّ والمألوف. لم يجر الاحتفاء بأحد رموز قصيدة النثر العراقيّة اليوم، مثلما يحصل عادة في مهرجانات المربد التي تحتفي كلّ عام بشاعر معاصر. الأمر نفسه لم يحصل في الدورة الأولى التي اكتفت برفع شعار «قصيدة النثر: رهان الشعر العربيّ الحديث». وبقي هذا العام متن الشعار نفسه لكنّ مع تغيير كلمة «رهان» الى «مستقبل».
يبقى الهامش في الثقافة العراقيّة الأكثر جذباً وأهمية لجهة ابتعاده عن صخب القاعات، فضلاً عن البساطة التي تقدّم بها فعاليّاته. جلسة هادئة احتضنتها إحدى قاعات مقر اقامة الوفود المشاركة تناولت الشعر اليوم. وشهدت إحدى ليالي الملتقى عرض فيلم «الخبز الحافي» لمخرجه الجزائريّ رشيد بن حاج الذي حقّق حضوراً كبيراً بسبب أحداثه التي تجسّد سيرة الروائي الراحل محمد شكري.
مع ذلك، نبقى في حاجة فعليّة الى قطع أشواط من الاحتراف في صناعة حراكنا الثقافيّ، عبر تلافي الارتجال الذي اتّسمت به بعض الجلسات النقديّة والقراءات الشعريّة أيضاً. لقد جاء أوان تغييرها ومغادرة القاعات صوب المقاهي العامّة أو نقل أجواء الفعاليّات الى جولات نهريّة تمنح القصائد جماليات مضافة.