بعد منع طاول أعمالها أثناء حكم صدّام حسين، تعود مؤلفات حياة شرارة (1935 ـــ 1997) إلى الواجهة. تولّت «دار المدى» إعادة طبع مؤلفات الأديبة العراقية الصادرة في لبنان بين 1976 و1994، إضافة إلى نشر كتابها «تولستوي فناناً»، الذي نالت عنه الدكتوراه من جامعة موسكو. ولدت حياة شرارة في النجف عام 1935. أبوها، الشاعر محمد شرارة غادر جبل عامل في الجنوب اللبناني عام 1920، متجهاً إلى النجف لدراسة الفقه الإسلامي.
وجد الأب في العراق وطناً جميلاً، فقرر الاستقرار والزواج هناك. في بداية الأربعينيات، انتقل الأب بعائلته إلى بغداد. في العاصمة، افتتح صالوناً أدبياً، كان يرتاده الكتاب والشعراء، مثل بدر شاكر السياب السيّاب، ومحمد مهدي الجواهري، ونازك الملائكة وبلند الحيدري. وجدت حياة نفسها في هذا الجوّ الثقافي. حفظت أشعار الملائكة وباتت تشارك في السجالات. أثناء الأحداث السياسية العاصفة التي شهدها العراق أواخر الأربعينيات، تركت صاحبة «ديوان الشعر الروسي» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ 1983) بغداد بسبب الملاحقات التي تعرضت لها. توجهت إلى سوريا، ومنها إلى مصر، حيث درست الإنكليزية في جامعة القاهرة. بعد ثورة 14 تموز (يوليو) عام 1958، عادت إلى العراق. درست الأدب الروسي في جامعة بغداد. وبعد تخرجها، سافرت إلى العاصمة الروسية، حيث نالت الدكتوراه من جامعة موسكو، قبل أن تعود إلى العراق وتعمل أستاذة للأدب الروسي في جامعة بغداد. إثر موت زوجها بعد اعتقاله عام 1982، تعرضت لضغوط وملاحقات دفعتها إلى الابتعاد عن السجالات السياسية، لكن هذا لم يشفع لها عند السلطات. مُنعت من السفر، كما مُنعت كتبها، وظلت على هذه الحالة حتى رحيلها في الأول من آب (أغسطس) عام 1997. موتها شابه الكثير من اللغز. ورغم أرجحية قتلها على يد النظام يومها، يروي آخرون أنّها انتحرت، فيما يقول البعض إنّ موتها كان طبيعياً.
في مؤلفاتها، ركّزت شرارة على الأدب الروسي، الذي باتت عليمة بتفاصيله. هكذا، تناولت «تولستوي فناناً» (لم يُطبع حتى 2002، لدى «المدى»)، ثم «ماياكوفسكي» (المؤسسة، 1976 ـ المدى 2011). بعد ذلك، أصدرت «مدخل إلى الأدب الروسي» (المؤسسة 1978 ـ المدى 2011)، ثم عرّفت القارئ العربي بـ «بيلينسكي» (المؤسسة 1979ـ المدى 2011) الذي لقّبته بـ «أبو النقد الروسي»، قبل أن تختتم رحلتها في بلاد الجليد بـ «ديوان الشعر الروسي» (المؤسسة، 1983 ــ المدى 2011).
بعد هذه المرحلة، تفرّغت لتدوين ما تريد قوله. عادت إلى الأيام التي جمعتها بنازك الملائكة في صالون والدها الأدبي، لتنطلق منها في دراسة رائدة شعر التفعيلة العربي. هكذا، قدّمت «صفحات من حياة نازك الملائكة» (الريس 1994 ـ المدى 2011) الذي مثّل أرشيفاً لرصد أهم التطورات الثقافية والسياسية لحقبة زمنية أساسية في تاريخ المجتمع العراقي، تجاوزت النصف قرن. كتبت ديوانين لم يصدرا، هما «شفق الفجر»، و«قصائد قديمة»، لكنّ روايتها «إذا الأيام أغسقت» (المؤسسة 2002 ـ المدى 2011) هي التي مهرت تجربتها. هنا سلّطت الضوء على حياتها، التي لم تبرح السلطات العراقية في التعتيم عليها. بغض النظر عن شكل التعاون بين «دار المدى» وعائلة شرارة، فإن هذه الالتفاتة تعدّ مكسباً ثقافياً للعراق. إنها عرفان بالجميل لإحدى أهم الشخصيات الثقافية التي لم تنل حقها في حياتها، وسنوات بعد موتها.