لم يكن لدى الشعر ما يفعله هذا العام في يومه العالمي، الذي صادف أمس. طائر مقصوص الجناح في قفص معدني. الرصاص يحاصره من كل الجهات. رائحة الدم تتسرب فوق العشب. الربيع ينبت مقابر وجنازات. مأتم طويل ينتهي بنفق معتم. «ديوان العرب» يخلو من الضيوف. المنابر أعارت ميكروفوناتها لهتاف آخر، تحت وطأة الموت، في الساحات. لا أحد، عدا حنجرة لوركا تصرخ: «انظروا الدّم في الشوارع». هدية منظمة «الأونيسكو» للشعر، لم تصل في بريد هذا الربيع.
حاجز مسلّح اختطف القصيدة، عرّاها من المجاز، وألقى جثتها وسط الطريق. ولكن ألم يكن الشعر في حالة احتضار؟ تعالوا ننصت إلى «شاعر المليون»، و«أمير الشعراء» ومطوّلات الشعر النبطي، وقصائد مديح الطغاة. على الأرجح، فإن الفضائيات العربية أطاحت معنى الشعر، وحضوره الجمالي، لتستكمل ما أهملته المناهج المدرسية التي ألغت عن سابق تصميم شعر الحداثة من كتبها، وأوقفت العجلة عند قصيدة «الطائرة» لأحمد شوقي، وميخائيل نعيمة في «سقف بيتي حديد/ ركن بيتي حجر/ فاعصفي يا رياح/ وانتحب يا شجر».
هكذا عصفت الرياح بشعر الحداثة، بات تهمة مرذولة في المدارس والجامعات، ما وضع الذائقة العامة في صندوق التراث المغلق، لتلفظ عشرات الشعراء خارج سجلّ النفوس المعتمد. في المقابل، تبرّع شعراء بإعارة مخيلاتهم إلى أمراء القصيد، ففقدت القصيدة نسبها الحقيقي، وغاصت في كيس الدنانير. من ضفة أخرى، أتاح زحام المنابر والمواقع الإلكترونية إنتاج مئات المداجن الشعرية، وديوك المزابل، وإذا ببطاقة «شاعر» تُباع ببساطة، في أقرب سوبر ماركت شعري، مثلها مثل شفرات الحلاقة، والمياه الغازيّة،. بضع قصائد، يتم توضيبها على عجل في كتاب هزيل، وينتهي الأمر. لعل هذه العملية تشبه عملية رتق البكارة في عيادة سريّة، بوجود دور نشر صغيرة في الشوارع الخلفية تلتقط الشعراء الضالّين بمئتي نسخة على «الريزو»، ثم يتأبط «الشاعر» ديوانه، ويوزعه على الصحف، وموائد المثقفين، فيحظى باعتراف وهمي ... ثم يدخل الحلبة بقوة شكيمة الجعة الوطنية والصراخ في الحانات. وحدهم صانعو هتافات الثورات العربية من يستحق التحيّة في هذا اليوم.