خلافاً لما يوحي به عنوان الغلاف، تبدو قصائد زيد قطريب (1968) متَّزنة وعارفةً ما تريد قوله في «باركنسون»، باكورته الشعرية الصادرة حديثاً عن «دار التكوين» في دمشق. ليس ثمة ارتعاش أو تأتأة بين السطور؛ بل ثقة تامة، كثقة من يروي حلماً شاهده للتوّ. يدوّن الشاعر السوري يومياته وأحلامه في سبع وعشرين قصيدة لا تُعنى كثيراً ببلاغات الديوان الأول وبنائيته على حساب الشعرية، بل تذهب في كثيرٍ منها إلى شعْرَنة الحدث العاديّ والبسيط، بلغة قد تبدو عادية وبسيطة، لكنّها ليست كذلك. ثمة اشتغال كثيف في الظل، لتصبح القصيدة على هذه الحال. مَنْ يقرأ مقالات قطريب التي ينشرها في الصحف السورية، منذ سنوات، لن يفاجأ به وهو يرسل حديقة «السبكي» الدمشقية بكل ورودها وعشبها، في البريد، إلى حبيبته. المشاكَسة، والصورة المدهشة التي تستدعي الابتسامة، صفتان تميّزان تلك المقالات وتميّزان أيضاً «باركنسون» الذي يشغل 98 صفحة من القطع المتوسط. هذا الأمر، لن يترك مجالاً لقصائد النواح وامتداح الغُياب والزمن الغابر، للتكاثر في جسد الديوان. للوهلة الأولى، قد تبدو بعض القصائد كذلك، خصوصاً تلك التي تستعيد لحظات الطفولة وحنان الأم.
لكنّ الشاعر يقطع الطريق على هذا الظن، إن كان بكَسْر فصاحة النص ببعض العبارات العاميّة المشحونة بحميميّة الأمس، أو بعبارات وكليشيهات متداولة تبتعد عن الشعرية، أو بكسر التقليد السائد في قصائد النوستالجيا العربية من خلال قلْب الدلالة الشعرية رأساً على عقب: «قررتُ أن أبدأ من جديد هذه السنة!/ سوف أصبحُ أكثر تفاؤلاً من ذي قبل/ لذلك ومنذ اللحظة/ لن أرى سوى النصف الممتلئ من الكأس/ وإن لم يكن هناك كأس أصلاً/ فسوف أخترعه بكل تأكيد».
دمشق، كما عوّدها شعراؤها، لا بدّ لها من الحضور في «باركنسون». حضورها هنا، لا يتمثل في ذكر اسمها بين قصيدة وأخرى فقط. إنها الزاوية الرابعة، في مربّع الديوان الذي يشغل زواياه الأخرى، الشاعر وأمه وحبيبته. هنا، نتمشّى في شارع الثورة، نتبادل كؤوس البيرة في باب توما، نسخر من جفاف بردى صيفاً، ثم نطوف ساحة السبع بحرات، قبل أن نركب باص «الهوب هوب»، مارّين بشارع 29 أيار الذي تموت فيه أوراق الأكاسيا، وصولاً إلى بيت زيد قطريب الذي سيجلس إلى طاولته، ليخطّ قصائد ديوانه بأقلام «البيك» التي اشتراها قبل قليل من «جارنا السمَّان».
1 تعليق
التعليقات
-
لا أدري لماذا؟لا أدري لماذاكلما فكرت فيك, كتبت أجمل الكلمات و الأشعار هل لأنك الزهرة الأخيرة في كأسي؟ أم لأن بلورك القاسي يشبهني تماما, عندما يستعصي على العبور, و في الوقت نفسه يبدو شهيا كأنه يعانق الضوء؟. لأجلك سوف أذوب في اليوم عشرات المرات, فاحتويني منذ اللحظة بكؤوسك, سوف نشرب بعضنا بنهم قبل أن يقتلنا الظمأ..! إنها لمسألة شائكة بالفعل أن تظل رائحتك منقوشة فوق قمصاني كل هذا الزمن الطويل من السنوات أن ألتقيك فوق الجسر دون أن أفكر بالعبور أو أن أعبر بلا أي جسر على الإطلاق!. أن تتصلي كل يوم صباحا دون أن تفكري برفع سماعة الهاتف أو أن تقبليني كأنني أخوك الصغير ثم أرتمي أنا في أحضانك كأنك أمي! ..كم أشتهي الآن عيونك الزرق وهي بعيدة مئات الكيلومترات عني! كم أتمنى أن أخبئ صوتك في قناني العطر كي أسمعه متى أشاء كم أشتهي أصابعك و كعبك العالي حتى أحواض وردك وفناجين القهوة و النسكافية كم أشتهيهم جميعا و أفكر لو أنني أحصل على هواتفهم حتى أحدثهم كلما ضاقت الدنيا هل تقبلين أن أرسل لك حديقة السبكي في صندوق البريد كي تصدقي أن ورودك أشهى من بساتين الأرض؟ هل أهديك ساحة السبع بحرات حتى تتأكدي أنني دونك أدور كأنني أبحث عن الجهات؟ هل أرسل إليك بردى كي تخففي من عطشي قليلا؟ لا أدري لماذا كل ما فكرت فيك هرعت كي أبحث عن معجمي الخاص ..كأنك لغتي و كأنني نص بلا عنوان! زيد قطريب (هذه القصيدة نشرت في جريدة النهضة السورية عام2009 وهي من أجمل ما جاء في "باركنسون" )