الخرطوم | «القصائد يا سادتي كالأشواك في أرجل الفلاحين، تؤلمهم ويمشون عليها». هذه الكلمات التي خطّها الشاعر محمد الحسن سالم المعروف بحميد في مقدمة ديوانه «مصابيح السما التامنة وطشيش»، كانت أشبه بالمانيفستو لمسيرته الطويلة. بكى السودانيون جميعاً شاعر الغلابة حميد، إثر رحيله المفاجئ الثلاثاء الماضي في حادث سير مفجع.
ابن قرية جريف نوري (شمال السودان)، ولد عام 1956، أي في العام نفسه الذي نال السودان استقلاله. ومنذ بدايات حياته الشعريّة، تبنّى حميد قضايا المهمّشين والغلابة. كتب قصائد أودعته المنافي حيناً من الدهر. اشتهر حميد بدواوينه ومنها «حجر الدغش»، و«نورا» و«الجابرية»... لكنّه اشتهر أيضاً بنضالاته الشعرية، لإرساء قيم الديموقراطية والعدل والتسامح في السودان. كانت الحبيبة عنده الوطن. وكان الوطن عنده عيون الساهرين والكادحين من أجل لقمة عيشهم.
تميّزت تجربة الشاعر الراحل بقوة مفرداته ورصانتها؛ إذ لامست أعماله هموم الناس وآلامه. فكانت من بواكير أعماله «ست الدار بت أحمد» ومساجلاتها التي عالجت تسلط أرباب العمل على العمال البسطاء في دول العالم الثالث. فكان من أوائل الذين انتقدوا في قصائدهم الآثار الكارثية لأطماع الرأسمالية، والثمن الذي يدفعه العمال. ورغم الرخاء المادي الذي توافر للشاعر إبان إقامته بين قطر والسعودية بين عامي 1992 و2005، إلا أن انحيازه إلى إنسان الريف لم يفتر. انحياز دفعه إلى اختيار مهنة الفلاحة بعد عودته إلى قريته. ومثلما كانت قصائد حميد ملهمة للقوى الديموقراطية في بلاده، تحول موكب تشييعه في ضاحية الحاج يوسف في الخرطوم إلى ليلة شعرية. هكذا هتف المشيعون بأشعاره، وفي مقدّمتهم الشباب المتطلعون إلى التغيير في السودان.