في جوائز اليانصيب واللوتو، غالباً ما يتجنّب مشترو الشبكات الجديدة الأرقام التي ظهرت في السحب السابق، لأنّ قانون الاحتمالات يقلِّل من نسبة ظهور أحد تلك الأرقام مرتين متتاليتين. فكرة مماثلة تنسحب على الجوائز الأدبية أيضاً، ويرتفع منسوب تصديقها إذا كانت الجائزة عربية، حيث يُتوقّع أو يسهل تدخُّل أسباب لا علاقة لها بالكتابة في تحديد اسم الفائز كل سنة. هكذا، بعد منح «الجائزة العالمية للرواية العربية» (بوكر ـ تبلغ 50 ألف دولار) للمصريين بهاء طاهر عن «واحة الغروب»، ويوسف زيدان عن «عزازيل» في الدورتين الأولى والثانية، تضاءلت احتمالات فوز الروايات المصرية التالية بالجائزة. لعل هذا الاستبعاد «الآلي» راود لجان التحكيم، التي تعاقبت على الجائزة، كما راودت الكتّاب المصريين أنفسهم، إضافة إلى وسائل الإعلام والجمهور أيضاً. ما يزيد من تصديق هذه المعادلة أنها حدثت فعلاً. واظب الكتاب المصريون على حضور اسمين من بينهم في الدورتين الثالثة والرابعة، لكنهم لم يعترضوا بشدة على ذهاب الجائزة إلى السعودي عبده خال عن روايته «ترمي بشرر»، ولا على مناصفتها بين المغربي محمد الأشعري عن روايته «القوس والفراشة» والسعودية رجاء عالم عن روايتها «طوق الحمام».
مقابل استبعاد المصريين، سواء أكان ذلك لأسباب جغرافية، كما يُشاع لدى الجمهور، أم لأسباب فنية، كما تؤكد لجان التحكيم، فإن للسوريين شكواهم أيضاً من «التهميش» الذي تعرضوا له في اللحظة الأخيرة. هذا ما حدث لرواية «مديح الكراهية» لخالد خليفة في الدورة الأولى، وروايتي فواز حداد «المترجم الخائن» التي وصلت إلى القائمة القصيرة في الدورة الثانية، و«جنود الله» التي فشلت في تخطّي القائمة الطويلة في الدورة الرابعة. شكوى مماثلة موجودة لدى اللبنانيين أيضاً، فما كان مقبولاً إلى حدٍّ ما في تهميش رواية «مطر حزيران» لجبور الدويهي في الدورة الأولى، بسبب فوز بهاء طاهر بها، لم يكن مقبولاً في استبعاد رواية «أميركا» لربيع جابر في الدورة الثالثة، وذهاب الجائزة إلى عبده خال، الذي يُعدّ في نظر كثيرين أضعف الفائزين بالجائزة عموماً. الشكوى السورية واللبنانية تنتاب الروائيين العراقيين، وإن بدرجة أقل، ولأسباب أكثر تعقيداً واتساعاً من لحظة الجائزة، إذ غاب هؤلاء عن القوائم القصيرة في كل الدورات. بينما اكتفى الأردنيون حتى الآن بترضية مُجزية بوصولهم ثلاث مرات إلى القائمة القصيرة من خلال: «أرض اليمبوس» لالياس فركوح (2008)، و«زمن الخيول البيضاء» لإبراهيم نصر الله (2009)، و«عندما تشيخ الذئاب» لجمال ناجي (2010).
بطريقة ما، يصعب تجاهل التجربة السردية المتنوعة والطويلة في بلد مثل مصر لمجرد أنّ الجائزة منحت لها مرتين، أو ترضية الحضور الروائي القوي في سوريا ولبنان بحظوة الوصول إلى القائمة القصيرة والطويلة، أو تهميش الكتابة الروائية المزدهرة لدى الأجيال الجديدة في العراق وفلسطين والسودان لأنها لا تحظى بـ «لوبي» نقدي وإعلامي. ما المشكلة في تكرار فوز روائيين من البلد نفسه طالما أنّ معيار الروايات الفائزة هو جودتها؟ ولماذا تفشل روايات مميزة في الوصول حتى إلى القوائم القصيرة؟ صحيحٌ أن الجائزة وحدها لا تختزل حركة الرواية العربية وتاريخها السردي المتعدد، وصحيحٌ أن اختيار الفائز هو حصيلة أذواق وتسويات أعضاء لجنة التحكيم التي تتغير كل سنة، لكن ذلك لا يعني أن تتحول الجائزة إلى روتين سنوي مُضجر تختلط فيه المعايير الروائية بأخرى لا علاقة لها بالرواية، وأن تتحول الجائزة من حدثٍ روائي يمثِّل لحظة مفصلية في السرد العربي، إلى تكهنات ونمائم مناطقية تشكِّك في مؤسسي النسخة العربية من الجائزة، وفي لجان تحكيمها السنوية أو حتى في بعض إدارييها.
ولعل تقاسم الجائزة في الدورة السابقة كان إشارة إضافية إلى أن الطبعة البريطانية المرموقة للجائزة باتت «منقحة ومزيدة» بالمعنى السلبي في نسختها العربية، إذْ يُخشى أن تصبح حادثة التقاسم هذه نوعاً من حلٍّ تسووي يتكرر في دورات قادمة. هكذا، وبدلاً من أن يكون تشجيع التجارب الجديدة، أو مكافأة المكرّسين، ضمن أهداف الجائزة، فإن معيار الجودة يتعرّض لتسويات جانبية تتطابق غالباً مع تكهنات وشكاوى وشائعات تسبق إعلان الجائزة. والسؤال الذي يمكن طرحه عشية إعلان اسم الفائز بالدورة الخامسة هو: هل ستعيد لجنة التحكيم التي يترأسها الناقد المخضرم جورج طرابيشي الجائزة إلى جادّة الصواب الروائي؟ هل سيُبطل اسم الفائز الجديد مفعول التكهنات «الخبيثة» والتسويات الجانبية التي باتت الجائزة متهمة بها أخيراً؟ هل ستُمنح لعز الدين شكري فشير أو ناصر عراق من أجل نفي «شائعة» أن مصر مستبعدة بسبب حصولها على الجائزة مرتين؟ أم سنشهد اعترافاً متأخراً بتطور الرواية اللبنانية عبر منحها لجبور الدويهي أو ربيع جابر في مشاركتهما الثانية خصوصاً أن موضوع العملين قد يغري لجنة التحكيم؟ هل ستباغتنا بمنحها لبشير مفتي أو الحبيب السالمي، مكررةً مكافأتها لروائيي المغرب العربي؟ أم أن «الربيع العربي» سيتدخّل في اختيار الرواية الفائزة لمجرد أنّ صاحبها سرد حياة المهمشين والشرائح المظلومة في المجتمع العربي؟

■ الملف من إعداد: محمد شعير، سيد محمود، خليل صويلح، سعيد خطيبي، نور الدين بالطيب