مع بداية الأحداث السورية في آذار (مارس) 2011، تعاملت «الجزيرة» بحذر شديد مع هذا الملفّ. لكنّ زيارة خاطفة قام بها وزير خارجية قطر حمد بن جاسم لدمشق، للتشاور مع نظرائه في بداية الأحداث، قلبت الموازين وأعلنت القطيعة النهائية بين النظام السوري والحكومة القطرية.
هنا، دخلت «الجزيرة» مرحلة مختلفة في التعاطي مع الانتفاضة السورية، سرعان ما حوّلتها إدارة المحطة إلى ثورة حقيقية، تصدرت أحداثها وتفاصيلها النشرات الإخبارية. تناولها المفكر عزمي بشارة في برنامجه «حديث الثورة» الذي كان يبث مساء كل يوم جمعة، شارحاً ومفصّلاً حقائق وخفايا كثيرة لمتابعي المحطة، بعدما كان يتجاهل الشأن السوري ويتهرّب من أسئلة المذيع. وتوالت استقالات المذيعين والإعلاميين في المحطة التي بدأت رحلة ابتعادها عن المهنية ودخولها في وحول السياسة. وربما غُفر للقناة أخطاؤها اليومية بأسماء المناطق والجهل الواضح بجغرافية البلد الذي توليه الأهمية والمساحة الكبرى من تغطيتها. مثلاً، أذاعت خبراً لم يفلت من المبالغة والتهويل عن انفجار مدوٍّ في «مقر قيادة حزب البعث في الميدان» وسط دمشق، بينما كانت الحقيقة هي انفجار قنبلة صوتية بالقرب من مبنى فرع الحزب في منطقة المزرعة، إضافة إلى بث أخبار كاذبة تؤكد أنّ السوريين ينفذون إضراباً عاماً في مختلف المحافظات، وعرضها لشريط يظهر الرئيس السوري بشار الأسد وهو يخطب أمام عشرات الأشخاص في فيديو مفبرك صوِّر قبل توافد المؤيدين للنظام إلى ساحة الأمويين في كانون الثاني (يناير) الماضي واتهام الإعلام السوري بأنه فبرك أعداد المتظاهرين في الساحة...
ومع دخول الأزمة السورية عامها الثاني، افتتحت «الجزيرة» مرحلة جديدة في تعاطيها مع الملف، لا تبتعد كثيراً عن سياسة الحكومة القطرية التي أعلنت صراحةً انحيازها الكامل إلى المعارضة السورية وتبنّيها المجلس الوطني السوري، ودعمها لما يسمّى الجيش السوري الحر. فعلت ذلك من خلال تقارير كثيرة عرضتها ضمن نشراتها الإخبارية، وصوِّرت في معاقله وبين مجموعاته، لتؤكّد نزاهته ووطنية عناصره، متجاهلة الشهداء الذين سقطوا في العمليات التي نفذتها المجموعات المسلحة، أو تغطية التفجيرات التي تعرضت لها دمشق، ومدينة حلب أخيراً. أما خبر اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى في الشهر الماضي والاعتداء الإسرائيلي على غزة منذ أسابيع، فلم تولهما القناة أهمية تذكر. وحدها، أحداث «الثورة السورية» كما تريدها «الجزيرة» بقيت الحدث الأبرز الذي تصدّر نشراتها الإخبارية حتى اللحظة.