منذ اندلاع الانتفاضة السورية، وقعت المذيعة رولا إبراهيم بين فكي كماشة. لم تستطع محاباة النظام وقمعه للتظاهرات السلمية والصمت عن المجازر، لكنّها لم تتمكن أيضاً من تجاهل تجاوزات «الجزيرة» ونهجها التحريضي في التعاطي مع الملف السوري. وبين هذا وذاك، تبدو الإعلامية السورية كالكثير من أبناء بلدها الذين خسروا طرفي المعادلة بسبب اعتدالهم وحرصهم على قول الحقيقة. منذ نحو عام، تتعرض إبراهيم لمجموعة ضغوط بدأت بمطالبتها بالاستقالة من «الجزيرة» والاعتداء على أملاكها وحرق منزلها في طرطوس وانتشار دعوات بسحب الجنسية منها على مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل، انتشرت صفحات على فايسبوك تدعمها مثل: «رولا إبراهيم صوت يرفض الصمت».
ومع استمرار الانتفاضة السورية وتحولها إلى مواجهات مسلحة، فجرت الوسائل الإعلامية السورية مفاجأة عند اختراق الجيش السوري الإلكتروني نظام البريد الخاص بـ«الجزيرة» وكشفه مجموعة رسائل بعثتها المذيعة إلى زميلها السابق علي هاشم في بيروت. كشفت هذه الرسائل عن الضغوط التي تعرضت لها في المحطة بسبب إحراجها الناطق الرسمي باسم الإخوان المسلمين في سوريا وتذكيرها بتهديدات الجيش الحر قبل انفجارات الميدان والحديث عن منعها من إجراء مقابلات تخص سوريا، إضافة إلى فضحها سياسة محطتها التحريضية واعترافها بأنها باتت مرتدة عن الثورة وحديثها عن العقلية الطائفية التي يتعامل بها بعض زملائها في القناة. هذا الأمر عرّضها لتهميش إضافي في المحطة. لكن ما كادت تمرّ أيام على هذه الفضيحة حتى تناقلت المواقع الإلكترونية خبراً عن اختراق صفحة رولا إبراهيم على فايسبوك ونشر رسائل وتعليقات تشتم فيها النظام السوري. ولم تفد تصريحاتها بأنها لا تملك أي حساب على الموقع الأزرق في رفع التهمة عنها أو تخفيف نقمة النظام عليها. حتى إنّ هناك أنباءً سُرِّبت لـ«الأخبار» عن توصية وجِّهت إلى المحطات الموالية للنظام السوري بالامتناع عن التعامل معها حتى لو استقالت من «الجزيرة».
إذاً، الإعلامية التي تدرجت من الإذاعة السورية ثم عملت لفترة قصيرة في تلفزيون «روسيا اليوم» قبل أن تلتحق بقناة «الرأي» الكويتية ثم تستقر في «الجزيرة» وتحقّق حضوراً وأداءًَ مميزين، تواجه اليوم المجهول. ويبدو أنّها وصلت إلى قطيعة حقيقية مع محطتها وأسلوبها التحريضي فيما تعاني من تهديد النظام والموالين له. حتى إنها دخلت في إجازة مفتوحة انتقلت فيها من الدوحة ففرنسا ثم دبي من دون أن تتضح حتى الآن وجهتها النهائية بسبب إصرارها على قول كلمة حق في زمن الباطل.

... وفيصل القاسم الرابح الأكبر



خلفت الأزمة السورية مشاكل عديدة على مختلف المستويات. لكن في المقابل، أدت دوراً في شهرة بعض الشخصيات، سواء كانت من الموالاة للنظام أو من المعارضة له، إضافة إلى رواج اسم بعض الفضائيات التي رفعت شعارات طائفية بحتة واعتمادها على شيوخ استخدموا التحريض أسلوباً وحيداً لخطاب المحطة الإعلامي.
وسط ذلك، بدا مذيع «الجزيرة» فيصل القاسم من أكثر المستفيدين إعلامياً من الأحداث السورية. بعدما وصل برنامجه الشهير «الاتجاه المعاكس» إلى طريق مسدود استنفد فيه كل أدواته، حتى صار مضطراً إلى طرح مواضيع لا يتوقعها المشاهد كمصاعب مهنة التمريض على اعتبار أنها مهنة القاسم الأساسية، سرعان ما أسهمت الأحداث في سوريا في إحياء موسم جديد من البرنامج. عاد وحقّق حضوراً جماهيرياً واسعاً رغم اعتصام معده ومقدمه عند فكرة واحدة هي جلب خصمين حول فكرة واحدة، وترك المجال لهما للخلاف والصراخ والمقاطعة من دون أن نشاهد ملمحاً واحداً من ملامح الحوار الصحية والسليمة.
هكذا، تحولت حلقات البرنامج إلى حلبة مصارعة ومنبراً لتبادل الشتائم والاتهامات مع الاستعراض الواضح لغالبية الضيوف في استفزاز الآخر من دون التقيد بالحد الأدنى من آداب الحوار الإعلامي. مع ذلك، تزايدت جماهيرية «الاتجاه المعاكس»؛ لأنّه مثل معادلاً سياسياً لبرامج الترفيه والتسلية الفنية التي تعتمد على فضائح المشاهير بوصفها فرصة للترويح عن النفس في ظل بؤس الأوضاع وانقسام الشارع السوري، ولو كان ذلك على مبدأ شر البلية ما يضحك.
هكذا، يظهر فيصل القاسم كل أسبوع بحركات حفظها الجمهور، وبنبرة باتت مدعاة للسخرية على اعتبار أنها جرس إنذار لحفلة شتائم جديدة. وحالما تبدأ الحلقة، يعلو الصراخ ويبدأ تراشق الاتهامات بين الضيفين. طبعاً، كل ذلك يكون بمباركة فيصل القاسم الذي تراه مبتهجاً كلما احتد النقاش أكثر. فيما يضطر في بعض الأحيان إلى استخدام قدراته في إشعال فتيل الحرب عندما يلاحظ أن ضيفيه يحترمان أصول الحوار وآدابه وسلوكياته العامة. وكان القاسم في أكثر لحظات حياته المهنية سعادةً عندما سجّل برنامجه في موسمه الأخير تجاوزات مضحكة، لعلّ أبرزها حين هجم الصحافي اللبناني جوزيف أبو فاضل على عضو المجلس الوطني السوري محيي الدين اللاذقاني على خلفية الملف السوري، فيما كان القاسم يحاول فض الاشتباك الحاصل على الهواء مباشرة.
الإعلامي السوري الذي يختار ضيوفه بنفسه، يحاول دوماً إقناع مشاهديه بأنه لا يتقصّد تصفية حسابه مع النظام في برنامجه الذي يستمرّ أسبوعياً في موعده كل ثلاثاء، لينال مجدداً لقب أول برنامج عربي علّق ورقة نعي الحوار الحقيقي.
و.ك