القاهرة | هل كانت «الجزيرة» ستثير كلّ هذا الجدل لو كانت لها قنوات محليّة منافسة في العالم العربي؟ نظرة متأمّلة على المشهد الإعلامي المصري الراهن، تشي بالكثير بشأن العلاقة الشائكة بين المحطة القطرية والأنظمة العربية. بالتأكيد، لو فشلت الثورة المصرية، لخرجت «الجزيرة» من مصر. الكل يدرك هذه الحقيقة. المكانة التي كسبتها القناة في المحروسة بعد ثورة «25 يناير»، كانت متوقعة ومنطقية. هي المحطة الوحيدة التي انحازت إلى الميدان بنحو مطلق. لم يكن وجود «بي بي سي عربية» بالحجم نفسه، أما قناة «العربية» فلم تعلن يوماً انحيازها إلى الثورة، بل كانت في أوقات كثيرة لسان حال مبارك ورجاله. أمّا القنوات المصرية الحكومية والخاصة، فأدّت أدواراً معادية للثورة، باستثناء قناة «أون تي في» التي تميّزت بجرأة مساندة الهبّة الشعبية ضد نظام مبارك. بعد انتهاء الثورة، ظن كثيرون، وخصوصاً الأطفال، أنّهم سيعتزلون نشرات الأخبار إلى الأبد. لكنّ الأحداث سارت في الاتجاه المعاكس، وكان إطلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر» دليلاً على أن البلاد ستشهد حراكاً أكبر من الذي شهدته خلال الثورة. ومع استمرار المليونيات الأسبوعية، وسقوط الحكومات، ودخول مبارك قفص الاتهام، ظلت «الجزيرة مباشر مصر» صامدة وتتطور، مستعينةً بفريق كبير من المراسلين والمعدّين، وحاصدةً تعاطف مختلف التيارات السياسية. وجاء إغلاق مكتبها في القاهرة خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي ليزيد من درجة التعاطف معها.
لكنّ الانتقادات طاولت القناة بسبب طبيعة علاقتها بـ«الإخوان المسلمين»، وانتماء العديد من العاملين فيها إلى صفوف الجماعة. بعد انحسار الثورة، لم تحافظ «الجزيرة» على حيادها الكامل بحسب منتقديها. هكذا لم تحضر كاميراتها بكثافة في الفعاليات التي يقاطعها «الإخوان المسلمون» سياسياً، ما عدّه المنتقدون سحباً للبساط من تحت أقدام تيار شعبي كبير، كان لا يزال ينادي باستمرار الثورة.
غير أن الصورة اختلفت من زاوية أخرى، عندما أدرك القائمون على الإعلام المصري أن انتقاد «الجزيرة» لن يمنع الجمهور من متابعتها. حتى المناهضون لسياسة القناة القطرية، يهتمون بمعرفة ما تقدمه في كل حين. وبالتالي، كان البديل خلق إعلام محلي بديل. هكذا، زادت قناة «أون. تي. في.» من نشراتها الإخبارية، ووسّعت شبكة مراسليها في الأقاليم، ثمّ أطلقت قناة «أون لايف». كذلك نجحت قناة «سي. بي. سي» في نقل صور حيّة للصدامات التي وقعت في محيط وزارة الداخليّة، الأمر الذي فعلته معظم القنوات الخاصّة باستثناء «الحياة».