لا يحضر الحبيب بولعراس في ذاكرة التونسيين كواحد من مؤسسي الدولة التونسية الحديثة فحسب، بل ككاتب مسرحي أثرى المكتبة التونسيّة بأعماله وإصداراته المسرحيّة. الوزير والمسؤول السابق في حكومات بورقيبة وبن علي على التوالي، يدخل الآن مضمار التاريخ، في كتاب جديد عنوانه «تاريخ تونس المحطات الكبرى منذ ما قبل التاريخ وحتى الثورة» الصادر أخيراً عن دار Cérès. في ضاحية المرسى شمال تونس العاصمة، استقبلت مكتبة «ألف ورقة» اللقاء الأول من ضمن سلسلة لقاءات تعتزم «دار سيراس» تنظيمها احتفاءً بالكتاب. غصّت حفلة التوقيع بالوجوه الثقافية والسياسية الآتية للمشاركة بالحدث. لطالما احتفظ بولعراس بسحر الجيل الأول لبناة الدولة المستقلة. وقد حافظ دائماً على حضور ثقافي بارز حتى عندما كان وزيراً في حكومة بن علي، رغم أنّ التونسيين لم ينسوا له استقالته من الحكومة والحزب مطلع السبعينيات، وانضمامه إلى التيار الليبرالي.
في تقديم كتابه Histoire de la Tunisie. Les grandes dates, de la Préhistoire à la Révolution، يقول بولعراس إنّ تاريخ تونس لم يبدأ مع الفتح العربي الإسلامي، ولا مع تأسيس القيروان، بل هو ضارب في القدم، يعود إلى زمن البربر والفينيقيين. أشعّ هذا التاريخ من قرطاج التي بسطت نفوذها في المتوسط، ومع القيروان، وصولاً إلى الدولة الحفصية والحسينية. ويشير إلى أنّ تاريخ تونس عرف نكسات وأزمات، وحرباً أهلية في الفترة الأولى للدولة الحسينية (1705 ـــ 1837).
في لقائه مع الجمهور في مكتبة «أوف ورقة»، قال بولعراس إنّ التاريخ ليس سرداً للأحداث، لكنّه قراءة لها أيضاً واستخلاص للعبر. واعتبر أنّ كلّ الفترات التاريخية في تونس، انتهت بمآسٍ على السلطان. ويؤكّد الحبيب بولعراس في كتابه أن تونس هي ملتقى للحضارات، وهو ما يمنحها أهميّة في الجغرافيا، ودوراً في صياغة محيطها وخصوصياتها الاجتماعية والثقافية. برأيه فإنّ ميزة تونس هي قدرتها على الاندماج.
الحبيب بولعراس الذي طالته المساءلة القانونية بعد ثورة «14 يناير»، بسبب تولّيه وزارة الدفاع سنة 1991 في القضية المعروفة بـ«براكة الساحل» (اتّهم فيها عسكريون محسوبون على الإسلاميين بتدبير محاولة انقلابية ضدَّ بن علي) بدا في هذا اللقاء محافظاً على الكثير من حيويته، رغم ما يبدو عليه من إرهاق. ولم تفارق النكتة حديث الرجل السبعيني، وقد كانت لغته الفرنسية إحالة إلى ذلك الجيل الذي تشبع بالثقافة الفرنسية والعربية على حد السواء. وهذه خاصية تميّز معظم رجالات دولة بورقيبة التي عادت أحلامها تشكّل لقاء للتونسيين، وسط شعور بـ«اختطاف» البلاد، والرغبة بالحفاظ عليها نموذجاً للتعايش والاعتدال والانفتاح.