في كتابه الجديد «ما يفعله الغريب في الليل» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر)، يُقاوم الشاعر السوري محمد دياب ضجر الكتابة... بالكتابة نفسها. منذ القصيدة الأولى، ينفي أنّه يكتب. يحاول البحث عن تفاصيل لامعة، يسردها بحساسية عالية. التعويض عن الفعل يتحوّل عنده إلى فعل مضاعف. «لم أكتب/ بتّ أفتح شباك غرفتي للمطر». عبر تسع عشرة قصيدة، يخلق دياب عالماً موازياً. يحوّل الوقائعية إلى انتباهات في غاية الذكاء والنباهة. السرد الذي طغى على جزء كبير من الديوان، لم يؤدِّ إلى سقوط النصوص في فخ الكلام العادي. ثمة تلاعب مقصود في السرديات اليومية، لتبتكر دهشتها الخاصة، وتنجرّ غالباً نحو نهايات حزينة. «قد نصفع وجه أحدهم/ بكأس/ ونبكي على كل شيء/ نبكي على كل شيء/ على مدينتنا/ على موتانا/ على المغادرين في عجلة/ يحملون حقائبهم/ ويحطّون في صور».
يمتلك محمد أدوات الصنعة الشعرية، مهاراتها وتقنياتها. هذه الخبرة تتضح بنحو جليّ من خلال التكثيف الذي يعتمده في نصه. السرد الذي يشكل نواة أساسية لمعظم القصائد يبقى أميناً للتقشف اللغوي الذي يتقن الشاعر صناعته. لا مكان للحشو والثرثرة في قصيدة محمد دياب. نحن أمام نصٍ صافٍ عرف كاتبه كيف ينظف لغته من الشوائب والزيادات، التي كثيراً ما تعلق في بعض القصائد الحديثة. ينتقي صاحب «وللغائب أيام» (2005) مفردته بدقة، لتكوّن مع زميلاتها نسيجاً أسلوبياً، يحمل هشاشة داخلية على صعيد المضمون بقدر ما يحمل صلابة وتماسكاً على صعيد الشكل. «أنا وظلالك الكثيرة/ ننتظر بهدوء/ نجلس القرفصاء/ ونضحك/ من فكرة/ تأتيني على عجل/ وكموعد مؤجّل/ تهتزّ رجلي/ تصرخ على الجدران/ تشتاق لك/ وتخذلني». لا مقولات كبرى في ديوان «ما يفعله الغريب في الليل»، ثمّة حفرٌ هادئ في خيبات شخصيّة وإخراج، ما يثير الانتباه الشعري، من تفاصيلها. المعنى يبتعد عن المباشرة والإفصاح الفجّ. يتشظى في ثنايا القصائد ويدور حول الأفكار التي تراود الشاعر لحظة الكتابة. «في الشارع/ صوت امرأة،/ تصرخ على طفلها/ يتّخذ الصوت/ شكل عطر قديم/ أتقدّم نحو الحائط/ وأجلس في الزاوية». ما يفعله الغريب في الليل كما يقول محمد «تلوين الصور بالكحول» أي الهروب من الحنين إلى اللاوعي واقتراف الوحدة التي غالباً ما تحوّل الغرباء عن بلدانهم إلى شعراء، يجعلون حدث الغربة، ذريعةً للكتابة.