تتواصل «مغامرات» الإعلام العربي والغربي (وفضائحه) في الميدان السوري. شريط جديد من كواليس المعارك الإعلامية هناك بثته القناة الرابعة البريطانية أخيراً. صوّر الشريط جزءاً من عمل الناشطين الإعلاميين في حمص، ممن يعدّون الرسائل ويحمّلونها على الإنترنت أو ممن يطلّون شخصياً على الفضائيات العربية والغربية ... لكنّ الشريط أظهر أيضاً كيف يتلاعب هؤلاء بالوقائع ليخلقوا ديكوراً يلائم الرسالة «المتوترة» التي يريدون إيصالها. التلاعب بالرسائل الإعلامية الآتية من سوريا ليس جديداً، لكن الجديد هو دفاع الإعلام الغربي عن حق الناشطين السوريين بتغيير الوقائع في أشرطتهم بحجة «إيصال صرختهم الى العالم».
التقرير الذي عرضته المحطة البريطانية، الاثنين الماضي، يشرح أن مصوّراً فرنسياً يدعى ماني جال في أحياء حمص الشهر الماضي وصوّر القصف والتظاهرات وعمل الناشطين الإعلاميين. دخلت كاميرا ماني بابا عمرو ورافقت مجموعة من أبرز الوجوه الناشطة التي تمدّ الفضائيات ومواقع الإنترنت بالأشرطة المصوّرة من داخل حمص. هؤلاء حسب التقرير هم «ظاهرة فذّة للثورة السورية» و«يعملون بشجاعة، سلاحهم كاميراتهم ويواجهون الموت خلال عملهم». إنّهم عمر تلّاوي، داني عبد الدايم، وأبو بكر «نجوم» الشريط وأبطال تحرير حمص إعلامياً، كما يصوّرهم التقرير.
بعدها، تدخل الكاميرا غرفة تصفها بـ«المقرّ الإعلامي» للناشطين. يقول أحدهم وقد وضع جهاز كومبيوتر محمولاً في حضنه وافترش الأرض: «نجلس هنا كي ننقل الأخبار بدقّة وصدقية». هذه «الدقة» ناقضها مشهد آخر في الشريط يظهر الفوضى في تناقل أخبار عدد القتلى في المناطق، حيث تفاوتت بين ناشط وآخر، وهم يستعدون للتصوير ومدّ الصحافيين بها. التقرير البريطاني يبرر تلك الفوضى بـ«صعوبة التأكد من صحة الإعداد في هذه الظروف الصعبة».
رافقت الكاميرا تلاوي في إحدى جولاته على الناشطين. وخلال حديثه مع أحدهم، «ضُبط» يقول بعفوية: «يا حبيبي منشتغل البيان وكل شي من باب السباع، ليش بدّك تجيبني لهون؟ منحرق دولاب كرمال الدخنة». وهنا تنبّه تلاوي إلى أن كاميرا ماني تسجّل، فصمت ونظر الى العدسة باسماً، ثم قطعت الفقرة. لكن خطة حرق الدولاب نفذت وصوّرها الشريط بالكامل وظهر تلاوي على سطح أحد المباني بعدما حرق أحدهم دولاباً تحت المبنى، فتصاعد الدخان في خلفية الصورة وتلا الناشط رسالته الإعلامية. وهنا، سارع المعلّق البريطاني الى القول «إن الدولاب لم يكن ضرورياً بما أن دويّ القذائف الحيّ اخترق الرسالة عدة مرات». تلاوي أيضاً برر فعلته بالقول: «لن أعتذر، فنحن محاصرون ونريد إيصال صوتنا الى العالم». واسترسلت القناة البريطانية بتبريراتها فنقلت عن الناشط الثالث أبو بكر روايته عن كيف تحول من مصوّر الى مقاتل «كي يدافع عن نفسه وعن المدنيين».